برّز ونبغ في التفسير والحديث وعلومهما والفقه وأصوله؛ حتى نال أعلى لقب عند
وحسبه من الفضل أنّه أوّل من اقترح على تلاميذه؛ ولفت أنظارهم إلى
أهمية» فوقع هذا الاقتراح موقع عناية أنبل تلاميذه وهو الإمام أبو عبدالله
محمد بن إسماعيل البخاري وتبعه في ذلك تلميذه الثاني الإمام مسلم بن حجاج
القشيري فصحيحا البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - ثمار هذا الاقتراح في
نظري .
وحسبه أنه عاصر زمن التدوين والتصنيف بل وساهم في ذلك. فقد
أصحاب الصَنْقات فالّف كتابه «المصنف».
الذي يوازي مسند قرينه الإمام أحمد في الحجم تقرياً» وسياتيك عنه دراسة
وافية في الباب الرابع من هذا الكتاب.
فتبين مما سبق أنّ الإمام إسحاق ابن راهويه كان له دور بارز في التدوين
و فهذا ما جعلني أتعرض لبيان مراحل التدوين والتصنيف بشكل
موجز ومقتضب بدون خلل.
وهكذا عاصر هذا الإمام الجليل زمن المحنة أعني محنة مقالة خلق
القرآن وواجه ما واجه غيره من علماء السنة في ولاية خراسان إل أنه لم يصبه
من الابتلاء والمحنة ما أصاب قرينه الإمام أحمد وذلك لبعده عن دار الخلافة
وقرب الإمام أحمد منه.
فقد لقي الإمام إسحاق بن راهويه من الشرّ والاذى من قبل خصوم أهل
السنة والجماعة - يعني الفرق الضالة المعتزلة والجهمية والمبتدعة - ما لا يتصور»
استحضروه وجرى ببنه وبينهم ما جرى في مجلس الأمير ولكن سرعان ما غلب
الحق وانتصر أهله وخاب أهل الباطل وانتكسوا ورجعوا بخسران مبين.
وسياتيك بيان ذلك في الباب الثالث من هذا الكتاب وسترى العجب من
موقف هذا الإمام الجليل وتجده كيف ينتصر على خصومه وكيف يقنع السامعين
يعرف وجوه - معاني هذه الاحاديث وغيرها إل الآن- يعني أحاديث صفة
نزول الرّب تبارك وتعالى وغيرها من أحاديث الصفات -.
هذاء ومن خلال هذا العرض السريع عرفنا بأنّ مثل هذا الإمام الجليل
جدير بأن يعنى له ويدرس حياته دراسة مشبعة. فهذا ما دفعني لذلك من
جانب؛ ومن جانب آخر عملي في تحقيق كتابه «المسند» القسم الت
وقد رتبته على أربعة أبواب على النبج الآتي:
الباب الأول: في عصر الإمام إسحاق ابن راهويه ونبذة عن أدوار تدوين
الباب الثاني: . في دراسة حياة الإمام إسحاق من اسمه ونسبه ونشأته وطلبه
اء العلماء عليه ومكانته العلمية وتلاميذه؛ وفيه تسعة
الباب الثالثك: في عقيدته ومذهبه وبيان بدء محنة خلق القرآن ووفاته وآثاره
الباب الرابع: في دراسة كتابه «المسند» وفيه ثلاثة فصول.
هذا واسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الإخلاص في العمل وحسن
النية؛ وأن ينفع به القراء والباحثين وأن يتقبله مني ويجعله خالصاً لوجهه الكريم
نه ولي ذلك والقادر عليه. وصل الله 'تعالى على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم .
عبدالففور عبدالحق البلوشي بالمديثة المثورة
الباب الأول
في عصر الإمام إسحاق - رحمه الله تعالى -
ونبذة عن أدوار تدوين الحديث وحفظه
وفيه فصلان
الفصل الأول
في بياذ عصر الإمام إسحاق ابن راهويه
بيان الولاة في عصره:
قبل أن أدخل في دراسة حياة هذا الإمام الجليل» إسحاق إن إبراهيم بن
خلد الحنظلي محدث خراسان وفقيهها أود أن أعرض عرضاً سريعاً بقدر ما تمس
معهم وذلك لأن من معرفة عصر الرجل وموقف الولاة واتجاههم وميوهم
ورغباتهم يقدر مدى تأثير ذلك الجو والمناخ في تكوين شخصية الرجل
وثماره حسب طبيعة المجتمع وعلى ضوء مكوناته. فإمامنا المذكور يعتبر من
مشاهير وأعيان علماء القرن الثاني والثالث الهجري حيث إنه عاش في الفترة ما
بين (131 ها 1798 ه) في القرن الأول العباسي (177 - 777 ه) وقد أدرك
ست سنوات من القرن الثاني العباسي أيضاً وهي مدة خلافة المتوكل (7©1-
7 ه). فكان من قدرالله تعالى أن وافق ميلاد إسحاق بن راهويه رحمه الله
تعالى أوائل ولاية المهدي حيث ولد إسحاق سنة (161 ه) على الراجح وتولى
المهدي (18/8 ه- 164 ه) وطال عمر إسحاق حتى أدرك في حياته حياة ثمانية
من الولاة تولوا الحكم واحد تلو الآخر وهم كالآتي:
ولاية المهدي بن المنصور من (15/8 ه - 164 ه):
وهو أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس
والمهدي لقبه.
وولي الولاية في اليوم الذي توفي ف
أن مات سنة تسع و.
ثلاث وأربعون سنة!0,
ولاية الهادي ولد المهدي من (194- 170 ه):
وول بعد المهدي ابنه الهادي موسى بن محمد بن أبي جعفر المنصور أبو
بعيساباذ من سواد العراق يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع
الأول سنة سبعين وماثة» وكانت ولايته سنة وثلاثة أشهر وذكر بعضهم غير هذا
وله أربع وعشرون سنة وأشهراً"؟.
)١( انظر تاريخ محمد بن جرير الطبري (108/8 و171)» والثقات لابن حبان البستي
(/18©)؛ وأسماء الخلفاء والولاة وذكر مددهم لابن حزم 78*» والكامل لابن الأثير
(/7). ولزيد تفصيل الحوادث والأمور الهامة في ولايته؛ انظر تاريخ ابن جرير
الطيري (167/8 و13 و )١18 - ١١8 ومن جلة ذلك إقامة البريد بين مدينة
الرسول في سنة (199 ه) واستتاية الزنادقة والتخلي عنهم وجد المهدي في سنة
19 ه) في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم وولى أمرهم عمر
الكلواذي وفي نفس السنة المذكورة فشا اموت بسبب فشوء الوباء وسعال شديد في
بغداد والبصرة وفي عهده أمر بتوضعة المسجد الحرام فدخلت دور كثيرة فيه؛ وفي نفس
السنة نقض الروم الصلح الذي كان جرى بينهم وبين هارون بن المهدي؛ وفيها قتل
الهدي الزنادقة ببغداد
(9) انظر للتفصيل تاريخ ابن جرير الطيري (187/8 - 705 317 و1714 والثقات
لابن حبان (71/7*)؛ وأسياء الخلفاء والولاة وذكر مددهم لابن حزم +١8
ولاية هارون الرشيد من (170- 147 ه):
وبعد الهادي بويع لأخيه هارون الرشيد أبي جعفرين المهدي في الليلة
بطوس١» من خراسان سنة ثلاث وتسعين وماثة ه. وهنالك قبره". قال ابن
حبان: ورأيت قبر هارون الرشيد نحت قبر علي بن موسى الرضا بينهما مقدار
ذراعين في رأي العين عَلٍ في القبلة وهارون في المشرق مما يليه©.
وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً ومات وله ست وأربعون سنة!*).
(ولاية أولاد هارون الرشيد)
ولاية أولاد هارون الرشيد من (©14- 148):
ولي بعد هارون الرشيد اينه محمد الملقب بالأمين أبو عبدالله وبويع له في
على إثر الخلاف الذي وقع في بدء ولايته؛ بينه وبين أخيه المأمون وتفاقم
الخلاف بينبها سنة (144 ه) وفي اسنة (147 ه) خلع محمد الأمين وبويع
للمأمون» وحبس محمد بن هارون الأمين في قصر أبي جعفر مع أم جعفر وقتله
في سنة (148 ه). وكانت خلافته أربع سنين وثانيا
أشهر وخمسة أيام. ومات
وله سبع وعشرون سنة!.
)١( طوس هي المسياة الآن بالمشهد في إيران وهي عاصمة منطقة خراسان حالياً
() انظر للتفصيل تاريخ الطيري (234/8 وما بعدها و47 و148)؛ والثقات لابن
حبان (75/7* - /77*)؛ وأسماء الخلفاء والولاة 794 لاين حزم .
(©) ابن حبان في الثقات (77/7*).
(4) المصدر السابق لابن حزم نفسة.
(9) ابن جرير في المصدر نفسه (346//8)؛ وابن حبان وابن حزم في المصدرين السابقين
تفهاء
(7) انظر للتفصيل تاريخ الطيري (368/8 و 9/4 و 418 و 414), والثقات لابن حبان
(7//7؟7- 778 وأسياء الخلفاء والولاة وذكر مددهم لابن حزم 76
ولاية المأمون بن هارون الرشيد من (148 - 118 ه):
وولي بعد الأمين أخوه المأمون أبو العباس في البو الذي قتل فيه أخوه
من سنة (148 هم فلم يزل والياً إلى أن مات غازياً بأرض الروم ودفن
وأشهراً ومات وله ثمان وأربعون سنة؛ وكان من أتباع وأشياع القول بخلق
بتعريب الكتب وبالغ وعمل الرصد - أي ما يعرف به مواضع الكواكب - فوق
جبل دمشق وغير ذلك" .
ولاية المعتصم محمد بن هارون الرشيد من (18؟ - 177 ه):
مات بسامراء سنة سبع وعشرين وماثتين. وكان له من العمر سبع وأربعوث
وثلاثة عشر يوماً؛. وكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر ومن أهم الحوادث في
عهده تعذيبه للعلماء في محنة خلق القرآن فضرب أحمد بن حنبل بالسياط وقيل
قتل أحمد بن نصر الخزاعي ولكن الراجح أنه قتله الواثق» وامتحن الناس بخلق
القرآن وكتب بذلك إلى الأمصار وأخذ بذلك المؤذنين وفقهاء ومعلمي الكتاب
ودام ذلك حتى أزاله المتوكل بعد أربعة عشر عاماً وفي رمضان سنة عشرين
وماثتين كانت منة الإمام أحمد بن حتبل في القرآن وضرب بالسياط حتى زال
ولاية الواثق هارون بن المعتصم من (777 - 137 ه):
)١( انظر تاريخ ابن جرير الطيري (17//8ه ولالاه و3184 و/177). والثقات لابن حبان
(118/1)؛ وأسياء الولاة وذكر مددهم لابن حزم 70؛ وسير النبلاء للذهي
/٠١( 7 74ا4)» والكامل لابن الأثير (187/5)
(9) انظر تاريخ الطيري (4/لا- 177 والثقات لابن حبان (14/7و14*)» وأسياء
الولاة ١/ا© لابن حزم» وسير النبلاء للذهبي (7140/10- 347)
لمانية أشهرء وكذا استمرت في عهده المحنة بخلى القرآن وأهان العلماء
ولاية المتوكل أخي الواثق من (737- 147 ه):
ولي بعد الواثق أخوه المتوكل بن المعتصم أبو الفضل جعفر بن محمد بن
هارون سنة 177 ه وهي بداية القرن الثاني العباسي ول يزل واليا إلى أن قتل
سنة 147 ه بأمر ابنه المنتصرء فكانت ولايته خمسة عشر عاماً غير شهرين وقتل
الجدال في القرآن وغيره وحظر من البحث وأفرج عن جميع العلماء المسجو
بسبب ذلك ومن بينهم إمام السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى
وأظهر محبة السنة والميل إليها وأنكر ما كان يفعله أبوه وأخوه في هذا
الشأن ورفع من شأن أهل العلم وترحم على أحمد بن نصر الخزاعي الذي قتله
الواثق بيده .
أهم الحوادث والأحوال في عصره:
فهذه الفترة هي التي عاش فيها هذا الإمام الجليل إسحاق بن راهويه
)١( انظر تاريخ ابن جرير الطبريي (177/4 و151 و154)؛ والثقات لابن حبان
(/ 0 وأسياء الولاة وذكر مددهم 7793© لابن حزم. وسير النبلاء للذهي
2/1 :*- 14*)؛ وذكر الذعبي أنه قيل: رجع عن قوله بخلق القرآن قبيل موته؛
ا عن رجل عن المهتدي بن الوائق
» نفس المصدر للذهبي *097/1١( و11©). وانظر تاريخ 0
() انظر تاريخ ابن جرير الطيري (164/4 ريا رحا و١7 )١(
والثقات لابن حبان (70/7)؛ وأسياء الولاة وذكر مددهم 777 ودول الإسلام
ات لابن حبان نفس الموضع السابق.
أن الوائق مات وقد تاب عن القول