بم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين , الحاكم العادل , الولي الحميد ؛ الذي خلق الإنسان
علمه البيان ؛ وزوده بالفكر الثاقب ؛ بعد أن أوجده في أحسن تقويم . وصلى الله
وسلم على النذير البشير ؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجممين +
وبعد ؛ فها هو ذا كتاب ( معرفة القراء الكبار ... ) للعالم المؤرخ الذهبي
- الموضوع بين أيديكم الكرية - الذي يمتد اهتمامي به إلى حوالي خمسة وعشرين
عاماً مضت ؛ حيث بدأت بالتفكير في تحقيقه ونشره بعد الاطلاع على نسختين
مخطوطتين منه في نمكتبات إستاتبول , التي ذكرت فهارس المخطرطات إحداها
( نسخة مكتبة كوبرولي ) ؛ بينما أهملت ذكر النسخة الثانية ( نسخة علي أميري
في مكتبة ملت ) ٠ نظرا لضياع الورقة الأولى منها . مما أدى إلى عدم ذكر اسم
الكتاب والمؤلف معاً . وقد يكون ذلك سببا - أيضاً - في إهمال بروكلمان لذكره
في كتابه المعروف : تاريخ العراث العربي . وإذا كانت عبارة « طبقات القراء
للذهبي » قد أدرجت على الزاوية العليا اليسرى من الكتاب وبالقلم الرصاص ؛ فإن
ذلك قد يعني قيام أحد مسؤولي المكتبة بهذه الإضافة بعد اطلاعه على الصفحات
الأخيرة من هذا المؤلف . لدى قياسه بتصنيف الكتب في المكتبة المذكورة ؛ في
بدراستهما , إضافة إلى أن نسخة مكتبة ملت - التي سوف نتطرق إلى تفصيلاتها
فيما بعد -
القيمة إليها ٠
ومن أجل استكمال التحقيق والبدء بالدراسة ؛ اتصلتٌ بمكتبتي باريس
وبرلين ؛ وحصلت على نسختين مصورتين من كتاب الذهبي الآنف الذكر . وبذلك
اجتمعت لدي أريع نسخ منه : نسخة مكتبة ملت , وكوبرولي ؛ وباريس ٠ وبرلين *
فأخضعتها جميعاً للدراسة والتقصي ؛ فخرجت منها بنتيجة مؤداها وجود تقاثل بين
نسختي كوبرولي وبرلين ؛ في حين كانت نسختا مكتبة ملت وباريس
عنهما ؛ رغم وجود إضافات كشيرة ؛ واختلافات كبيرة بين نسخة باريس - مثل
نسخة مكتبة ملت - وبين النسختين المذكورتين ٠
ولذلك فقد قررت القيام بتتحقيق هذا الكتاب الثمين ؛ متخذاً من نسخة
بإستانبول أساساً لهذا العمل العلمي ؛ فقمت باستنساخ أوراقها البالغة
١ ورقة ؛ ترطئة ا التحقيق والدراسة . غير أنني فوجئت في هذه الأثناء »
بنشر الكتاب في القاهرة ( ١838 م ) بعنوان " معرفة القراء الكبار على الطبقات
والأعصار ” ٠ ولكنني لم أنزعج من ذلك ؛ رغم الجهود الكييرة التي بذلتها في هذا
المجال ؛ لأن مثل هذا الأمر كثيراً ما يحدث للمؤلفين والمحققين ؛ بل بالمكس من
إلا أن ما كان يهمني من هذا الموضوع ؛ هو معرقة النسخة التي اعتمد عليها
المحقق في تدقيقه وتحقيقه للكتاب ٠
مرت سنوات قبل أن أتمكن من الحصول على النسخة المطبوعة من الكتاب
المذكور ؛ وبعد دراسته هالني عدم الشعور بالمسؤلية الأدبية لدى المحقق ؛ إذ جاء
تحقيقه لهذا الكتاب العظيم سقيماً وغير واف بالغرض ؛ وملياً بمواضع عدم الدقة
والوضوح ؛ بحيث لا يمكن إطلاق تسمية التحقيق على هذا العمل الهجين الذي
أزعجني صدوره بهذا الشكل كشيراً ؛ فتدمت على نفض بدي من تحقيق الكتاب +
وفي هذه الأثناء علمت بقيام ثلاثة أشخاص بتحقيق هذا الأثر النفيس
- من جديد - ونشره ( بيروت ١44 ه/882١ م ) ؛ فسعيت للحصول على
نسخة منه ؛ وبعد الاطلاع عليه وجدته ثمرة بائعة من ثمرات البحث العلمي ؛ غير
أن المحققين المحترمين , الذين قدموا تحقيقات قيمة إلى دنيا العلم والمعرفة ؛ لم
يشاهدوا نسخ الكتاب الكامثة في مكتبات إستانبول وباريس . وكان ذلك ؛ يعني
أن الطبعة الجديدة لهذا الأثر القيم ؛ قد جاءت ناقصة وغير كاملة من الناحية
الكتاب في سنوات عمره الأخيرة ؛ وبالتالي فإنها تخلو من حوالي ١ 800 ) سيرة
ذاتية جديدة ؛ أضافها المؤلف الذهبي إلى نسخة مكتبة ملت في صيفتها الأخيرة .
وقد دفعتني جميع هذه الظروف التي أحاطت بتحقيق هذا الأثر الجليل إلى
قناعة تامة بضرورة العودة إلى العمل الذي بدأته قبل خمسة عشر عاماً من قيام
السادة المحققين الدكتور بشار عواد معروف ؛ وشعيب الأرناؤوط ؛ وصالع مهدي
عباس ؛ بتحقيق ونشر الكتاب المذكور , من خلال اعتمادي على نسخة مكتبة
ملت في إستانبول .
وفي هذه الأثناء عشرت على نسخة أخرى من كتاب الذهبي في مكتبة
بايزيد بإستانبول ؛ والتي تقائل نسخة باريس » غير أن المواد الكيمياوية قد أدت
للدراسة والتدقيق -
وبعد ما تقاعدت من منصب رئيس الشؤون الدينية واستوطنت إستانبول +
عدت من جديد إلى تحقيق كتاب الذهبي توطئة لنشره ؛ رغم الزمن المحدود الذي
استطعت تخصيصه لهذا العمل العلمي ؛ بسبب تولبتي مسؤولية إدارة مركز
البحوث الإسلامية التابع لوقف الديانة التركي ؛ واشتراكي في تأليف وتدقيق المواد
بعد هذه المقدمة القصيرة أرد أن أوضع - وقبل الانتقال إلى الحديث عن
حياة مؤلفنا الذهبي وآثاره - أن دراستنا لهذا المؤلف القيم سعغطي ثلاثة أقسام :
يضم القسم الأول نبذة مختصرة عن حياة المؤلف ؛ بينسا يتناول القسم الغاني
مؤلفاته ؛ ويورد القسم الشالث معلومات حول النسخ المخطوطة لهذا الكتاب + مع
توضيح طريقة بحثنا لعحقيق هذا الأثر القيم ؛ الموضوع بين أيديكم الكريمة ؛ والله
الموفق .
إستانيول في 8 ذي الحجة ١418 هه الدكتور طيار آلتي قولاج
ماير فأحام
المدغل
شمس الدين الذهبي وكتابه * معرفة القراء الكبار ... *0:
يستدعي تحقيق هذا الكتاب الجليل للإمام شمس الدين الذهبي دراسة حياة
المؤلف ؛ وآثاره العلمية , مع الإشارة إلى النسغ الخطية لهذا الكتاب ؛ ومزاياها +
وجوانب التماثل ؛ والاختلافات بينها ٠ وطريقة المؤلف في عرض المعلومات فيها +
بالإضافة إلى الانتقادات الموجهة إلى أساليب تحقيق هذا الكتاب ؛ ونشره ؛ مع
توضيح المنهج الذي اتبعناه أثناء التحقيق .
إذا كانت حياة الذهبي قد أصبحت مادة مدونة في آثار بعض معاصريه +
ترجمسته في : تاريخ ابن الوردي 148/7 ؛ الوافي بالوفسيسات اللصفدي)
118-717 ؛ نكت الهسيان ١ للصفدي ) + ص 144-141 ؛ فوات الوفيات
اللكتبي) 317-7315/7؛ ذيل تذكرة الحفاظ ( لأبي المحاسن الحسيني وللسيوطي +
ص 78-3 ؛ 44-747 7: مرآة الجنان ( للبافعي ) 108/6 ؛ طبقات الشافعية
الكبسرى ( للسسبكي ) 171-113/8 ؛ طبقات الشاقعية ١ للإسنوي )
45-841١ ؛ البداية والنهابة ( لابن كثير ) 198/14 ؛ الوفيات ( لابن راقع)
1/ غاية النهاية ( لابن الجزري ) 1/7 ؛ الرد الواقر ( لابن ناصر )+
ص 1-68 ؛ الدرر الكامنة ( لابن حجر ) 16/1ة-17ة ١ ا/ صر :
طبقات الحفاظ ( للسيوطي ) ؛ ص 817-811 ؛ الدارس في تاريخ المدارس
اللتعيمي) 74-178/١ ؛ مفتاح السعادة ( لطاشكويري زاده ) 111/1 4 119/7 4
طبقات الشافعية ( لابن هداية الله ) , ص 133-177 ؛ درة الحجال ( لابن القاضي )
188-1871 ؛ شذرات الذهب ( لابن العماد ) 9/ 187-187 ؛ البدر الطالع”
فإنها غدت موضوع دراسة وبحث كتب التراجم والطبقات في العصور المتأخرة ٠ في
ومؤلفاته الكثيرة ؛ بالإضافة إلى صدور بعض الكتب عن حياته الحافلة بالبحث
والتأليف -
ويحظى كتاب الأستاذ الدكتور بشار واد معروف ؛ الموسوم ب" الذهبي
ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام " ( القاهرة 14178 م ) بالأهسية والتمايز والجدة
بين المؤلفات التي 'تناولت حياة الذهبي ؛ تلك النبذة التي أخذت مكانها في القسم
الخاص بحبا الذهبي ومؤلفاته من كتاب " سير أعلام النبلاء " للمؤلف نفس
وبعد كتاب عبد الرحمن النحلاوي الموسوم ب" الإمام الذهبي : دراسة
موضوعية تحليلية تريوية ( دمشق ١608 ه/488١ م ) من المؤلفات التي لا
يمكن الاستغناء عنها ؛ وبخاصة فيما يتعلق بالدراسة حول شخصية الذهبي العلمية»
وخلال إعدادنا لهذا الكتاب - الذي بين أيديكم - عثرنا على كتاب
بضم أكشر من ( ) صفحة ؛ وهو نتاج دراسة علمية حول حياة الذهبي
( للشوكاني ) ؟/ ١١7-١٠١ اريخ التراث العربي ( لبروكلمان - بالألمانية )
10-07 ؛ املح 7-48/1 ؛ الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ( لبشار
عواد معروف ) ؛ الإمام الذهبي ( لعبد الرحمن النحلاري ) ؛ صفحات في ترجمة الحافظ
الذعبي ( لقاسم علي شعذ ) ؛ الحافظ الذهبي ( لعيد الستاز الشيخ ) +
"> قد يكون من المفبد قراءة القسم الخاص لمزلفات الذهبي المدرج ضمن كتاب الدكتور
بشار عواد معروف ( الصفحات 1716-174 ) مع « التذييل والتعقيب والاستدراكات.
كتاب ” صفحات في ترجمة الحافظ الذهبي " للكاتب قاسم علي سعد ؛ المطبوع في
ونريد هنا إيراد بعض المعلومات الخاصة بحياة هذا العالم الكبير ومؤلفاته +
لا سيما الإشارة إلى كتبه المطبوعة في السنوات الأخيرة » والتي استطعنا الحصول
إستانبول في الوقت الحاضر .
ذكر الذهبي اسمه ونسبه وسلسلة انتمائه العائلي , بالشكل التالي : محمد
ابن أحمد بن عثمان بن قيماز ابن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي ثم الدمشقي +
ابن الذهبي".
كان معروفاً بكنية أبي عبد الله ؛ كما أنه لقب بشمس الدين أيضاً
أضاف مؤلفنا الذهبي عند الانتهاء من ادراج تبذة عن حياة الركني الإلبيري»
بعبارته « توفي في ربيع الآخر من سنة ثلاث وسبعين وستماثة » ؛ قائلاً « وفي
وقد ذكرت المصادر المختلفة بأن ذلك كان في قرية كفر بطنا ؛ وهي قربة من
قرى غوطة دمشق الشرقية . في حين ذكر ابن حجر تاريخ ميلاد الذهبي ؛ باليوم
المحدد عندما قال : « ولد في ثالث ربيع الآخر » مصرحاً بذلك تاريخ ميلاده
« معجم الشيرخ 2١
1 انظر : 1308/7 من هذا الكتاب .
عاش الذهبي ؛ الذي ولد في عائلة تركمانية ؛ ردحاً من حياته في مدينة
الأسرة تنتهي بالولاء إلى بني تيم , كما أكد الذهبي ذلك بنفسة»
الحج ؛ توفي فيها عام 9١٠ ه. ؛ وقد تجاوز الماثة من عمره".
ويظهر من المعلومات التي أوردها الذهبي حول جده أبي أحمد عشمان بن
ارتحل من هناك وسكن دمشق + ومات عام “181 ه. ؛ بعد أن تجارز السبعين من
وأما والده شهاب الدين أحمد بن عشمان ؛ المولود حوالي عام 16١ ه. +
فقد عدل عن صنعة أبيه إلى صنعة الذهب المدقوق ؛ وعرف منذ ذلك الوقت
بالذهبي. ويظهر من تراجم والد الذهبي أنه كان أهل تقوى وصلاح ؛ يحب العلم
ويطليه ؛ حيث أنه سمع ” صحيح البخاري * سنة 7 ه. من المقداد بن هبة الله
حيث عرف عن أبيه أخمد بن عشمان الذي توفي في اليوم الأخير من شهر جمادي
الأولى سنة 141 ه. بأنه كان ينفق ما رزقه الوهاب العليم في سبيل الله
عرف الذهبي ؛ نسبة إلى صنعة أبيه بابن الذهبي , حيث ذكرها في العديد
الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الاسلام ص ل +
معجم الشيرخ 41/١ -
المصدر السابق 49/١ +
المصدر السابق 10/1 +
م > جام
من مؤلفاته'. وقد يكون اشتغال الذهبي في حرفة أبيه هو السبب الذي دعا طلابه
العلماء المعاصرين له : صلاح الدين الصفدي ؛ وتاج الدين السبكي ؛ وأبا الملحاسن
الحسيني ؛ وعماد الدين بن كشير ؛ على إطلاق لقب الذهبي عليه" ؛ وهكذا عرف
واشتهر به قي التاريغ +
دور في حياته . هما : عمته - أمه من الرضاعة - الحاجة ست الأهل بنت عشمان
التي حصلت على الإجازة من ابن أبي يسر ؛ وجمال الدين بن مالك ؛ وزهير بن
والشخصية الثانية هو خاله الحاج أبو إسماعيل علي بن سنجر بن عبد الله
الموصلي الدمشقي الذهبي الذي أشار إليه الذهبي بعبارة : « وسمع بإفادة مؤدبه
ابن الخباز من أبي بكر الأماطي ؛ وبهاء الدين أيوب الحنفي , وست العرب الكندية,
وسمع معي ببعلبك من التاج عبد الخالق , وجماعة » ما يدل على أنه كان له حظ
متعيدة ؛ تظللها أفياء العلم والمعرفة
تلقى الذهبي علومه في طفولته من المؤدب المعروف علاء الدين علي بن
٠ انظر مثلاً : معجم الشبوخ ١/١ ؛ معرفة القراء الكبار ( نسخة باريس ) ؛ الورقة
١١ الوافي بالوفيات 167/7 ؛ طبقات الشافعية الكيرى 113/8 ؛ ذيل تذكرة الحفاظ
+؟ ؛ البداية والنهاية 118/16 ,
. 180-146/١ معجم الشبرخ ١
2 18/1 المصدر السابق ١٠