ولابدع في ذلك ؛ فقد استظلوا بهدى الله ؛ واستضاؤوا بسيرة
نبيه صل الله عليه وسلم » فتجلت فيهم عظمةٌ الإسلام » وكانوا مثالا
ية للالتزام بمنهج الله القويم النابع من هدي
القرآن والسنة النبوية . هذا المنهج الذي رسم للبشرية معالم واضحة
لتسير في مسارها الصحيح لعمارة الكون والحياة حيث يكون السلطان"
ومن هذا المنطلق إستمد الخليفةٌ العادل أمير المؤمنين عمر بن عبد
العزيز منهج حياته في كل شأن من شؤونه ؛ وكل حركة من حركاته »
وكل خلجة من خلجات نفسه وشعوره » وأنى اتجه إنما يتجه على بصيرة
من الإيمان الصادق القوي » والخشية والزهبة مما ينتظر الانسان في معاده
من الحساب والعقاب » والرغبة فها أعده الله من نعيم خالد للمؤمنين
الصادقين المخلصين التائبين العابدين المتقين » ومن شيدة ورعه وخشيته
« كان يبكي كلما تفكر في أحوال يوم القيامة ؛ وكلما مرت به آية عذاب
أو موعظة ؛ وكلما ذكر الموت 16" ويذكر ابن الجوزي عن المغيرة بن
حكيم قال : قالت لي فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد
: العزيز : يا مغيرة إنه قد يكونُ في الناس من هو اكثرٌصلاة وصياماً من
154 سيرة عمر لابن الجوزي ص )١(
ومن هنا تُدرك كيف تحوّل ذلك التحول العجيب من حال إلى
حال » لقد أتى عليه حين من الدهر عاش خلاله متقلباً في مطارف
النعيم يتدهن بأفخر الاطياب ؛ ويكتسي أفخر الحلل والثياب « حتى
كان يشتري الإزار الواحد بماثة دينار » ويشتري مُطرف الخز بشائماثة
درهم » وكان يجعل ماله كله في زينة الأثواب حتى قال : لقد خفت أن
لي أنه قد بلي "" . وإلى جانب ذلك كان أخيل الناس في مشيته .
غير أن هذه الحالة لم تدم حيث فتح أمير المؤمنين عمر بن العزيز
صفحة بيضاء ناصعة ضرب بها مثلاً رائعاً في قوة الايمان والتقوى
والورع ؛ والخوف والخشية من الله +
ويبدو ذلك واضحاً حينا تحمل المسؤولية وتولى مقاليد الخلافة »
إذ طوى ماضيه وذكرياته السابقة » واتخذ من جده عمر بن الخطاب
ويستطيب رغد العيش » ويتقلّب في مرابع النعيم » أصبح يكتسي
13* المصدر السابق ص )١(
146 السابق ص ردصلا)١(
بأزهد لباس » ويرد ما لديه من أموال الى بيت مال المسلمين » ويعتق
مظاهر العظمة ومباذها » وأبهة السلطان وبهارجها وهو الخليفةٌ الذي
يملك ناصيةالأمور في دولة بني أمية. لقد شعر وهو يتحمل مسؤولية
الإسلامية وكل فرد فيها » يقول رضي الله عنه بعد عودته من دفن
ليس من أمة محمد في مشرق ولا مغرب أحد إلاله قبي حى علي أداؤه
إليه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني 906 .
ويضي سحابة يومه في تدبير أحوالهم وشؤونهم » وير ص كل الحرص
على إنصافهم » ودفع الظلم عنهم ؛ وقضاء حوائجهم ومصالحهم »
والعمل على ما يرفع من شأن الدولة الإسلامية ويحفظ كيانها ؛ وينهض
ولا أبالغ إن قلت : إن سيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
47 المصدر السابق ص )١(
التقوى والخير والصلاح والعدل والاستقامة والورع الل العليا ما
يروي غليلهم » ويستحوذ على مشاعرهم وأحاسيسهم .
حياة الناس أن نستلهم سير عظماء الإسلام من أمثال أمير المؤمنين عمر
ابن عبد العزيز» ونسترشيد منهم بما تستقيم به حياثنا وبر ودنا بخير زاد
في الدنيا والآخرة .
وليس غرضي في هذه المقدمة أن أبسُط القول في جوانب سيرة
الؤمنين عمر بن عبد العزيز » فالحديث عنه ذوشجون .
السيرةٍ العاطرة في إطار شيّى لا تعقيد ف
الوارفة الظلال نتنقل في حدائق
بشذا الإمان » وتفوح بعبير
العدل + وتتدئّق فيه نار الإخلاص لله 6 وتلوح” الخشية والورع ثاراً
يائعة تي أكلها بإذن ربها
على تحرير النص وتصحيحه وتقويمه إذ ليس بين يدي سوى نسخة
النصوص ؛ والتعليق على ما يحتاج منها للتعليق » وترجمت للأعلام من
الرواة وغيرهم ترجمة موجزة مع الاإشارة إلى مصادر الترجمة لمن أراد
التوسع » وناقشت بعض الأخبار على ضوء علم أصول الحديث
النبوي » إلى جانب ما قمتٌ به من دراسة للتعريف بالمؤلف وبالكتاب
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
الدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان
الرياض في 1744/8/16 ه
أبو بكر الآجري علم لامع من أعلام بغداد ذلك البلد الذي كان
موثلاً للعلم والعلماء » ومُتراداً خصباً للمتعطشين إلى منابع المعرفة »
العلم والجرفان » نجم عن ذلك كله رجالٌ أفذاد من علماء وأدباء
أثروا تاريخ الحضارة اللإسلامية بروائع نتاجهم العلمي والفكري
والأدبي في مختلف صنوف المعارف .
وقد كان القرن الرابع الهجري من أزهى عصور الحضارة
الإسلامية » ليس في بغداد وحدّها بل في مختلف أقطار البلاد حيث
الإكبار » ونشطت حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية
لتشجيع الخلفاء والأمراء » ولقيام كثير من الدول التي استقلت عن
الخلافة العباسية أثر واضح في بعث الحركة العلمية وإنعاشها ؛ وايجاد
) وزارة العارف - المكتبات المدرسية ( ١
روح التنافس العلمي والأدبي بين العلماء والأدباء وأدى ذلك كُنَهُ إلى
صقل ملكات العلماء المسلمين في مجال البحث والتأليف .
في هذا القرن نبغ أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الأجري +
ولا ندري متى ولد ؛ أوكيف نشا » ذلك لأن المصادر التي بين أيدينا لا
تمدنا بالمعلومات الكافية التي يمكن أن نرسم من خلالها صورةً واضحة
المعالم والقسمات لجوانب حياة الآجري » وكل ما هنالك شذرات
متفرقة قليلة حول بعض النواحي المتصلة بحياته .
ويلاحظ أنه ينسب إلى « آجر » وهي قرية من قرى بغداد كما ذكر
ابن خلكان"" » واشار ياقوت”" إلى أنها محلة كانت ببغداد من محال نهر
طابق بالجانب الغربي . وهذا يعني أنه نشأ وترعرع أول ما نشاً في
ربوع بغداد » وتلقى العلم عن أعلامها .
ومن شيوخه الذين تلقى عنهم نجد مثل أبي مسلم الكَجي » وأبي
شعيب الخراني" » وأحمد بن يحي الخلواني!" ؛ والفضل بن محمد
الجندي!» ومنهم المحدث الشهير أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن
الفريابي قاضي اديور الذي طوف شرقاً وغرباً » ولقي أعلام المحدثين
(1) د وفيات الاعيان 4 40؟
() + معجم البلدان 1/ 1ه
(*) انظر د وفيات الأعيان » 4/ 347
في كل بلد ؛ وسمع بخراسان » وما وراء النهر والعراق ومصرء
آلاف إنسان بمحابرهم يكتبون عنه ؛ كما ذكر الخطيب البغدادي !"عن
شيخ ابي الفضل الزهري + وقد ر وى الأجري عن هذا لعلم للامع
على أن الآجري مكث فترة من الزمن يحدث في بغداد وكان عدثاً
والأخبار .
وقد تلقّى عنه عدد من أئمة الحفاظ والمحدثين أمثال أبي القاسم
عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران”" + وعلي بن أحمد بن عمر
المقرىء ؛ وحمود بن عمر العْكّْبَري » ومحمد بن الحسين بن الفضل
القطان » واللحدث الشهير أبي تُعيم الأصبهاني صاحب كتاب « حلية
الأولياء »
)١( انظر لاص م ف لاح
()« صفة الصفوة ؛ 9/ 6+
(4) انظر الأنساب للسمعاني 64/1
(*) وهو أحد رواة كتاب و أخبار عمر بن عبد العزيز » وستأتي ترجته في موضعها
مكة حيث سكنها ؛ وأقام بها حتى توفي في المحرم سنة ستين وثلاثماثة +
هذا التاريخ كان يحدث ببغداد" ؛ وهذا يعني أن الأجري أقام بمكة
وقد ترك لنا الآجري مصنفات
النحو التالي : ١
١ كتاب الشريعة » وهو من الكتب النفيسة والمعتبرة فها يتعلق
بالعقيدة والإيمان » ألفه حين رأى ما غلب على الناس من الأهواء
الضالة » والآراء الفاسدة ؛ واعتمد فيه على الكتاب والسنة المروية
بالأسانيد » ولا يخلو الكتاب من بعض الأحاديث والاخبار التي تحتاج
الى تمحيص وتثبت » وقد قام بتحقيقه ونشره الشيخ محمد حامد الفقي
وطبع بمطبعة السنة المحمدية عام 1774 ه .
تذكر ما توصلنا إليه منها على
أخلاق العلماء : طبع مرتين مرة في مصر » ومرة أخرى في
الرياض حيث قام بتحقيقه الشيخ إسماعيل الانصاري .
» اخلاق حملة القرآن + ذكره ابن خير الاشبيلي في « الفهرست ٠
347/1 انظره تاريخ بغداد ؟ )١(
) 118/1 ( انظر تاريخ بغداد ( 1/ 847) والانساب ( 34/1 ) وصفة الصفوة )1(