6 مقدمة
ولتوضيح هذه الثقافة وإيراز مقاصد ودلالات وحكم ومعاني هذه المناسك
للتعريف بالحج وميزاته والثقافة وأهميتها والعبادة وطبيعتها والأخلاق ومظاهرها والفن
وتجلياته؛ وتناولت في الفصل الثاني الاغتسال والنظافة وصلاة ركعتين والإحرام والتلبية»
وتحدثت في الفصل الثالث عن الطواف بالكعبة والصلاة خلف مقام إبراهيم وشرب ماء
زمزم والسعي بين الصفا والمروة ثم حلق شعر الرأس أو تقصيره» أما الفصل الرابع فقد
تكلمت فيه عن المبيت جُتَى والوقوف بعرفة ثم النزول بمزدلفة أو المبيت بهاء وتناولت في
الفصل الخامس كل من رمي الجمرات والهدي ثم التحلل من الإحرام؛ وفي كل فصل من
هذه الفصول قمت بإبراز دلالات ومعاني ومقاصد هذه المناسك؛ والله أسال أن يتقبل
الدكتور مصطفى لعزوزي
القنيطرة في 03 ججادى الأولى 1926 ه
عدمء. لتقتسام © 5122021 2011:0100
الفصل الأول
المبحث الثالث: العبادة تعريفها وطبيعتها
المبحث الرابع: الأخلاق تعريفها ومظاهرها
المبحث الأول
لقد جعل الله الحج فريضة من فرائض الإسلام على كل مسلم بالغ عاقل حر
سبي )"؛ وركناً من أركان الإسلام الخمسة قال صلى الله عليه وسلم:
0 ن لا إله إلا الله وان حمداً رسول للك وإقام الصلاة وله
وصوم رمضان» وحج البيت؛ لمن استطاع إليه سبيلاً"؛ استطاعة مادية ومعنوية ت.
على العباد ورفعا للحرج عنهم» ويستحب للمسلم المستطيع أن يؤدي هذه الفري قِ
أقرب فرصة ممكنة؛ استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج
فليتعجل» فإنه قد يمرض المريض وتضل الدابة وتعرض الحاجةة!*. وقد أجمع جهور أهل
العلم أن الحج فرض على الفور وليس على التراخي على كل من يملك الاستطاعة»
قبل أن لا تحجوا»" لأنه قد تفوت المسلم فرصة الحج وفرصة الاستطاعة لعارض من
مرض أو فقر أو عجزء ولمهذا كان هذا التوجيه النبوي الشريف٠
ولما كان الحج عبادة تجمع ب المال وتحمل مشقة السفر وتعب البدن» فقد
جعله الله سبحانه وتعالى من أفضل العبادات وأكثرها ثواباً وأعظمها أجراً؛ فقد سثل
الني صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: «إيمان بالله ورسوله؛ ثم جهاد
في سبيله؛ ثم حج مبرور»"؛ والحجاج هم وفد الله وفي ضيافته؛ قال عليه الصلاة
وهكذا يتطهر الحاج من ذنوبه السالفة» عازما على الاستمرار في طاعة الله جل وعلا
في مستقيل أيامه؛ والمسلمون جميعاً مطالبون بالإفادة من روح هذه الفريضة ومقاصدها
الإسلام
(1) سورة آل عمرانء الآية: 97 (2) رواه مسلم
الرفيعة؛ وبأداء شعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال؛ والمحبة والافتقار»
والخضوع لله رب العالمين» بثقافة في العبادة و حسن سمت في الأخلاق وجالية في
السلوك وفنية في الأداء.
-١ تعريف الحج:
أي: «قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضا وسنة»"”؛ فالحج إذن هو قصد
مكة المكرمة لأداء عبادة الطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف
بعرفة والقيام بسائر المناسك استجاء لأمر الله تعالى وابتغاء مرضاته؛ وهذه المناسك
هي عبارة عن أعمال مخصوصة تؤدى في زمان مخصوص ومكان خصوص على وجه
خصوص؛ 'وللحج شروط وأركان وواجبات؛ يجب أن يتعرف عليها كل مسلم لكي
جا: قصد
(1) ابن منظور؛ لسان العرب» مادة 3 حج ؟؛ ج 2 ص: 226
(2) المرجع نفس ص: 226
(3)ابن منظور» لسان العرب» مادة 8 حج *؛ ج 2: ص: 226
(4) أبو بكر الرازي؛ تختار الصحاح؛ كلمة « حج »؛ ج1ء صن: 52
(5) ابن منظوره المرجع نفسه
(6) روه سلم
«من حج هذا البيت فلم يفسق ولم يرفث» رجع كيوم ولدته أمه»!""؛ حيث يتطهر الحاج
مما تقدم من ذنوبه ويتوب من معاصيه ويعزم على أن يكون حاضره أحسن من ماضيه
ومستقبله أحسن من حاضره؛ والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مدعوون جميعا
للإفادة من روح هذه الفريضة ومقاصدها الرا
ومن مميزات الحج المبرور أنه يكون سببا في دخول الحاج إلى الجنة؛ قال صلى الله
ولا فسوق ولا جدال» فالحج مدرسة يتعلم فيها المسلم أخلاقا وخصالا حميدة
كالصبر وتحمل الأذى والحلم والصفح عن الناس والمحافظة على الصلوات في أوقاتها
كما يتميز الحج بتدريب الحاج على التجرد إلى الله والدار الآخرة وترك هموم
الدنيا وملاهيها وزخارفهاء وهذه الدروس تزكي نفسه وترفع من شأنها وتخرجها من
مستنقع الكبر والغرور إلى رياض التواضع وخفض الجناح لإخوانه المؤمنين» لأن في
الحج يتجمع المسلمون من كل حدب وصوب في زمن واحد ومكان واحد دون أي
تمايز بين شعب وآخر أو بين فرد وغيره.
ويتميز الحج كذلك بخاصية المنافع الدينية والدنيوية؛ قال تعالى: لَيَشْهَدُو مَتَفِعَ
(1) رواه البخاري ومسلم (2) رواه البخاري ومسلم
والحج شعيرة إسلامية تجمع جميع المسلمين بمختلف مشاربهم وتنوع ألوانهم
وأعراقهم في زمان واحد ومكان واحد وتحت سماء واحدة ولهدف واحد وغاية
الثقافات والأغراق والألوان في بوتقة واحدة؛ هي بوتقة الإيمان الخالص ثقافة
57 ل عرقاً واجتم الامج ! ار ليتحقى الهدف 3 من هذا التنوع
وحقيقتهاء؛ فالمسلمون باختلاف السنتهم وألوانهم يلبون دعوة ربهم إلى بيته العتيق
وأرضه الحرام ليشكروا الله على نعمه؛ وليلتقوا بإخوانهم القادمين من غتلف أصقاع
بهريتهم الإسلامية وبعظمة هذا الدين الذي جاء به سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله
وبعث الدفء في القلوب وملا النفوس بالإيمان والأرواح بالطمائينة والسلم
وفي مدرسة الحج يتعلم الحاج المساواة بين الناس جيعاً؛ لا تفضيل بينهم في
الأنساب والأعراق والمناصب» ولا فضل لأبيض على أسود ولا لغني على فقير ولا
لصحيح على سقيم؛ إنما التفاضل بالتقوى والعمل الصالح, وإنما تجمعهم في هذه
المشاعر وحدة العقيدة لا شيء سواهاء فإذا كان الناس يتفاضلون في دنياهم في الغنى
والصخة والجاه إلى غير ذلك من متاع الدنياء فالحج يعلن في صمت عن هذه المساواة
بينهم؛ يقول أحد الشعراء:
فالله عز وجل لم يجعل من الحج شعيرة للتعبد فحسب؛ وإنما جعل منه أيضا
مناسبة يجتمع فيها المسلمون من كل حدب وصوب؛» ليكتشفوا عظمة الإسلام الذي
جو لي ابته بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وأبي ذر العربي
وغيرهم» وبجمع اليوم بين هذه الأجناس والألوان المتباينة والألسن المختلفة؛ قد
اجتمعت أفكارهم وأجسادهم وعقوطم وقلوبهم على غاية واحدة وفي اتجاه واحد هو
اتجاه العبودية لله رب العالمين. . إنها بحق لوحة تتيح للمتامل الغوص في أعماق هذا
الدين العظيم وتهيئ للناظر سبر أغواره لينهل من شرائعه الربانية العادلة وقيمه
الإيمانية الغنية ومعانيه الإنسانية النبيلة.
إن الحج يبعث الأمل في نفوس المسلمين بالمغفرة ويبعد عنهم القنوط من رحة الله
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الحج يذكر الحاج بلقاء الله والسفر إليه» فالحاج يعتبر في
رحلة إلى الله وهذا من شأنه أن يرفع من معنوياته الإيمانية لكي يجتهد في طاعة مولاه؛
وذلك بالتقرب إليه بالأعمال الصالحة والتزود للرحلة الطويلة والسفر البعيد» وما دامت
رحلة الحج تتطلب زاداً مادياً ومعنوياً؛ فالرحلة إلى الله تحتاج هي الأخرى إلى زاده وخير هنا
الزاد التقوى» فالحج يذكر بالآخرة والرحلة إليها وبعين عليها والتزود لها وكل هذا من
المبحث الثاني
المعرفة والتكوين والتربية والرعاية فحسب» ولكن نعني
ٍ الشامل الذي يضيف إلى معاني هذه الألفاظ معاني ألفاظ
أخرى مثل: الأخلاق والفن والجمالية والصبر والحلم.. لأن الثقافة بدون هذه
والتأمل في جانبه اللغوي وجانبه الاصطلاحي من شأنه أن يعطينا
نظرة شاملة حول معنى الثقافة بمفهوميها المادي والمعنوي. ذلك المفهوم الذي نعنيه
يتحلى به المسلم في حياته كلهاء بل ويطيع به عباداته وشعائره
هنا وننشده ونتمنى أن يتحلى
حلا فيب دغلا لول
المعرفة بما يحتاج إليه”""؛ ويقّال: اشاب
أيضا ذلك: «الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والعادات
نفهمها من كلام مالك بن ني - رحمه الله -» عبارة عن مجموعة من الصفات الخلقية
(2) ابن الأثبرء النهاية في غريب الحديث» ج 1 ص: 216
التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه؛ فمفهوم الثقافة إذن مفهوم
شامل يجمع بين القلب والقالب» بين المعرفة والإدراك وحسن السلوك والأخلاق
الطيبة الحسئة.
ب - أهمية الثقا
تتجلى أهمية الثقافة في كونها تجمع بين ما هو مادي وما هو معنوي» وهي
والحضاري الذي بالإنسان وتكريمه لحمل أمانة الاستخلاف في الأرض وتعميرها
وإقامة العدل في ربوعها ونشر المحبة والأخوة بين أفرادهاء فالثقافة تعينه على فن
الاستخلاف واتقان أخلاق العمارة في الأرض» وتعينه كذلك على جمالية السلوك في
حمل الأمانة التي كلف بحملها على الوجه المطلوب.
إن الثقافة التي نقصدها هنا تتأسس ليس على معرفة مقاصد الحج وأهدافه فحسب»؛
وإنما تقوم على معرفة دلالات ومعاني مناسكه وأعماله أيضاء ففي كل واحد من أفعال
الحج وأعماله تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر» وهذه الثقافة مزدوجة وتتكون من جانبين
هما: الجانب السلوكي العملي المادي والجانب العقدي الفكري الروحي.والمسلم
مطالب أن بجمع بين الجاذ ن حتى تحصل الإفادة من الحج ويحصل المقصود منه أيضاء
وهو تطهير القلب من الشرك والجوارح من الذنوب لتحصل المغفرة الشاملة؛ قال عليه
َيْقَ لِلطَاِفدت وَآلْقَابِيرت وَآلركّع الشْجُودٍ)؛ إنه تطهير للقلوب والعقول
من الشرك من جهة؛ وتطهير للأبدان والجوارح من الأوساخ والنجاسات من جهة
أخرى؛ وذلك حتى يتمتع المسلمون بالطهارتين معاء و- تلتقي طهارتهم الروحية
والجسدية بطهارة ذلك المكان المبارك تحصل تمام الطهارة وتتحقق العبادة التي يحبها الله
(1) روا البخاري ومسلم (2) سورة الحج» الآية: 26