مستقبلك)؟ فإذا أجبت جاء معلم آخر فأعاد علي السؤال» حتى تكرر علي
كنت والمستقبل كحصان ربطوا بظهره عصا طويلة؛ ثم علّقوا فيها حزمة من
مربوطة به؛ تمشي إن مشى وتقف إن وقف. نطلب المستقبل في غد فإذا جاء
الغد صار المستقبل حاضراً وذهبنا نفتش عن مستقبل غيره.
كنا كراكب زورق في بحر هائج» يوجه زورقه الوجهة التي يراهاء
أعلى الجبل فلم يبى أمامه ما يسمو إليه هبط من الجهة الأخرى.
على لساني.
أمامي الآن كتاب أنجز طبعه ولم تخرم كراريسه؛ ولم يوضع غلاقه؛
سبق أن قدمت لأكثر من خمسين كتاباً في أكثر من خمسين سنة؛ أولها كان
مضى حيث يمضي الأحياء رحمه الله وآخرها مقدمة شرفني بها الداعية الكبير
الكراريس التي وضعت أمامي لكتاب ألفه أخي ناجي» القاضي من قبل في
الشام» والمستشار الشرعي الآن في وزارة الأوقاف هنا من نحو ربع قرثء
كنت أعرف عن مؤلفي الكتب التي أقدمها القليل فأصوغ منه الفصل
اعرفها من يوم ولد سنة 13737 ه؛ وكان عمري نحو ست سنين إلى حين
سنة فأدخلها في خمس صفحات تكون مقدمة لكتاب؟ حياة رأى فيها ورأيت
الحاجة» واكتفاء وإن لم يصل إلى منزلة الغنى؛ عرفنا السدود عن طريق
أقوام وولد أقوام» وبادت مذاهب في الفكر وفي الأدب ونشأت مذاهب؛
دام ضرر.
تطمع إلى أكثر من تلك المسرات. لقد كنا سعداء ولكن لم ندرك إلا الآن
سعادته؛ وينسى أن السعادة هي قصر المسافة بين ما تجده وما تتمناه. فمن
كان يجد عشرة ويتمنى عشرين؛ فسعادته تنقص عشرة؛ ومن كان معه ألف
ولست أريد أن ينشأ الشبان بلا طموح فقد صدق شوقي لما قال:
شباب تع لا خيرفيهم وبُورك في الشباب الطامحين
كان عالمنا بيتنا الصغير في الحارة الضيقة في حي في طرف دمشق؛
والمسجد الصغير الذي كان أبي إمامه؛ فلما توفّه الله ولوني أنا الإمامة وأنا لم
(أي بائع القماش) فمن أين آتي باللحية؟.
فإذا أردنا تبديل ذهبنا إلى بيت خالتي أم المشايخ: (الشيخ شريف
خ طه والسيد ثابت)؛ وهي الشقيقة الكبرى لمحب الدين
المدرسة البادرائية بين الأموي وباب السلام الذي كان يدعى قديماً باب
بقي أكثر السور سليماً. ولدمشق سوران وبينهما حي لا يزال طرف منه باقياً
آخر الطريق المستقيم الذي ذُكر كما أظن في التوراة» فيكون بذلك أشهر
شارع في التاريخ» وقد ورد في الأثر أن المسيح ينزل في آخر الزمان عند
المنارة البيضاء شرقي دمشق”'؟. والله أعلم بصحة الذي روي .
)١( وعند هذا الباب الآن منارة بيضاء.
وأول هذا الطريق باب الجابية الذي دخل منه أبو عبيدة دمشق صلحاً»
كما دخلها خالد من الباب الشرقي فتحاً فالتقيا وسط معبد دمشق» الذي كان
معبداً ونيا ثم صار كنيسة نصرانية؛ ثم غدا مسجداً من أقدم مساجد الإسلام
ارتفع الصوت بالشكوى: المسلمون يشكون من قرع النواقيس وقت الصلاة؛
والنصارى يشكون من ارتفاع الأذان» فبنى الوليد للتصارى الكنيسة الكبرى؛
الكنيسة فضمها إلى المسجد.
وكنا إذا أردنا نجعة أكبر» وتبديل أكثر» ذهبنا إلى بيت عمي الأكبر
الشيخ عبد القادر الذي كان المرجع في علم الفلك الإسلامي» وكان منزله في
العفيف (في أوائل حي المهاجرين)؛ وقد أنشاً هذا الحي الأتراك للمهاجرين
منهم جزيرتهم؛ وكان موضع الجهاجرين ممئلثاً بالمدارس» تقوم صقا نحصلا
على كتف نهر يزيد متجاورة لا يكاد يحصى عددها من الصالحية إلى السفح
المطل على الوادي .
العلماء أن مجراه هو الذي أنشا الله به هذا الوادي في سوالف الدهورء. وهو
من أجمل أودية الدنياء لا أعرف مثله إلا (وادي الأزين في بلجيكا) الذي
يجري فيه نهر الموزء وفيه قرية (دينانم حيث كانت المعارك في الحربين
العالميتين بين الحلفاء وبين الألمان. فإذا رمينا بأبصارنا إلى بعيد وبلغناه
بخيالنا. تصورت مصر وفيها خالي محب الدين الخطيب» واسطنبول وفيها
عمي الشيخ عبد الوهاب» يلاحق قضية لنا مع آل الصلاحي بقيت في
المحاكم بين دمشق واسطنبول ثلاثا وثمانين سنة.
وكانت أمي رحمها الله تلزمني أن أكتب إلى أخيها رسالة وكان ذلك سنة
6 ه لما بدات أتعلم الكتابة وأنشىء الرسائل. تقول لي كل يوم؛ وريما
كررت لي القول مرتين في اليوم: يا علي» الله يرضى عليك أكتب لي
فلم يكن يعجبها إنشائي بل أن أختار لها ديباجة حلوة من كتاب (الإنشاء
العصري)؛ وكان يشتمل على جميع أشكال الرسائل: رسائل الاستعطاف
والاعتذار والتهنئة والتعزية. التي ترسل إلى الوزراء أو الرؤساء أو الأهل أو
الأقارب أو الإخوان أو الأصدقاء وتقول لي : اقرأ (الديياجة) حتى أسمعهاء
ة سنة؛ كانت تكتب وتقرأ وتحفظ كثيراً من آيات الكتاب ومن أحكام
الفقه؛ تعلمته من رسالة لمحمود الحمزاوي - أشهر مفتي في دمشق في القرن
الماضي - اسمها (علم حال)؛ وهو كتيب في أصول الدين وأصول الفقه وفي
الحلال والحرام» وفي الآداب والأخلاق. وضعه لتلاميذ المدارس الا
ما يلقى عليها. وكانت عمتي مع أول فوج تخرج في مدارس البنات التي
أنشئت بهمة الشيخ طاهر الجزائري في أواخر القرن الثالث عشر الهجري.
وكان تاريخ شهادتها سنة 1706 ه.
أقول (وأعود إلى الموضوع بعد أن خرجت عليه): إن أمي كانت
ترتضي الديياجة فتكلفني نقلها من الكتاب إلى الورق ثم إرسالها إلى أخيهاء
فمكرت يوما فكتبت إليه: السلام عليكم ورحمة الله. . نحن بخير والرسالة
في الصفحة كذا من كتاب الإنشاء العصري. . أقول هذا توفيراً لوقتك ووقتي +
آخر. كنت أصدر سنة 1348 ه رسائل متتابعة أسميتها (رسائل في سبيل
يقف عند حد لم يبلغ ربع ما وقع الآن. وقد طبعت رسالتي [دمشق بعد
تسعين عاماً] سنة 1748 ه وأنا أتخيل الآن ماذا تكون حالي لو أنني نمت
عشية ذلك اليوم في الكهف الذي نام فيه الفتية الذين آمنوا نهم فلم
الرؤوس ولكن بما تصنع الأقدام» فالذي يرمي الكرة برجله فيدخلها الشبكة
فيو الملعب أشهر وأكبر في الناس من الذي يكشف في العلم مجهولا» أو
يلي الناس على المسرحء؛ أشهر من الذي يعظهم في المسجد على المنبر؛
أو يعلم في الجامعة أبناءهم؛ أو يداوي في المستشفى مرضاهم؛ وغدا أمثال
عادل إمام ودريد لحام أعرف في الناس من مدير الجامعة أو من شيخ الأزهر
ولكن من نعم الله على الإنسان أن الطفرة لا مكان لها في نظام هذا
ظل الشمس عند الجدار تحسبه ثابتاً لا يتحرك» ولكن غُدْ إليه بعد ساعتين
تجده قد انتقل من مكانه؛ والعقرب الصغير في الساعة تبصره + واقفاً ولكنه
يمشي » والإنسان ينتقل من الضعف إلى القوة ويعود بعد القوة إلى الضعف.
يكون طفلٌ لا يملك نفعاً ولا ضراء لا يستطيع أن يطرد الذباب إفاحط على
أنفه الذبابء ثم يقوى حتى يطوي الأرض» ثم يعلو متن الهواء ثم يخترق
الشباب ومن الشباب إلى الكهولة لما استطاع أن يجيب.
والليل يكون أسود داجياً.. فمن كان في غرفة مغلقة لا ييصر مما حوله
المكان وكشف كل ما فيه؛ فهل انتقلنا من ظلمة الليل إلى وهج الظهيرة في
الطفل الضعيف رجلا قوياً؛ ثم يعود القوي ضعيفاً كما بدا.
لقد صدر في أعقاب الحرب الأولى يوم كنت تلميذاً في أواخر المدرسة
الابتدائية كتاب ترجم إلى أكثر اللغات» وقرىء في أكثر البلدان. ألفه
أن القرون الأولى تنتهي بسقوط روماء وأمثال هذه التحديدات؛ ومثلها ما
يدرس عندنا في تاريخ الأدب من أن العصر الأموي قد ختم بقتل مروان
السبت من القرون الوسطى؟. ولو قتل مروان يوم السبت هل كانت الجمعة
من العهد الأموي في الأدبء ويوم الأحد من العهد العباسي؟ إن من الشعراء
قالها في العهد العباسي؟.
من أطرافها وتتغير معالمهاء حتى لم يكد يبقى منها إلا أقل من القليل.
في دمشق ولا عرفه أحد من أهل دمشق» ولغدا جاهلا بها مجهولاً من أهلهاء
وكان علماً من أعلام علمائها. ولرأى ولده (سعيداً) الذي تركه ابن ثلاثة أشهر
والأربعين» فهل رأيتم أو سمعتم بأولاد سن من أبويهم؟.
أنا إنما أنشات هذا الفصل ليكون مقدمة لكتاب من كتب أخي ناجي +
وناجي وأخوا : عبد الغني وسعيد كلهم أنبغ مني؛ ولكني خطفت الأضواء
منهم كما يقولون في التعبير الحديث. ودخلت حلبة المصارعة» وما الحياة
إلا مصارعة» بطبل وزمرء وضجة وصخب. نشرت سنة 1348 ه (رسائل
في القرس؛ واختيارهم للكتب وبعدهم عن العلوم الجديدة» فأثرتهم عليّ
حتى ألفت في الرد علي كتب منها: الإفصاح عن رسائل الإصلاح للشيخ
يخطب في المساجد يذم الشباب المنحرفين» ويدعو إلى التمسك بالدين؛
ولما تيقن أني بعيد عما اتهمني به من مخالفة الدين كتب في آخر الرسالة أنه
«يسلني مما قال سل الشعرة من العجين» ولكن ذلك لم يمنعه أن يبيع الكتاب
ثم أصدرت السنة التي بعدها رسائل «سيف الإسلام» التي كانت تطبع
الجاحدين كما هجمت في الرسائل الأولى على الشيوخ الجامدين؛ فوضعت
نفسي بين حجري الرحى. وصرت كالواقف بين الصفين؛ يتلقى السهام من
الشهرة ليست مقياس العظمة» ولا المدار عليها في تقدير قيم الرجال.
لقد عرفت الشهرة وذاع اسمي وأنا ابن إحدى وعشرين سنة» ولي كتاب
ولد بعد إصدار هذا الكتاب. وتحت يدي الآن العدد الأول من مجلة (البعث)
كنت أصدرها من نحو ستين سنة» قبل أن يولد حزب البعث وقبل أن
إدارتها «جمعية التهذيب والتعليم» ورئيسها الشيخ هاشم الخطيب رحمه الله.
في هذا العدد الذي صدر في غرة جمادى الأولى سنة 170668 ه قصيدة
لشاعر لم يصرح باسمه؛ ولكن وقع في ذيل قصيدته باسم «أبو النضره جاء
ويذيقه مر العذاب وليس مَنْ
ينجيه من مضض أذاب فؤاده
ماللقوي سوى الضعيف فريسة
والذقب يلقى في الشياه مرادة
يعدو على الحمل البريء مخاضاً
ياشرقٌ فاذكر عهدعزر قد مضى
كيما تعيد إلى الوجود تلاه
أيام كان العلم فيك ونتوره
يهدي ببازغ مه زواده
أيام | كنا للوجود أئمة
ونري الوجود ضلاله ورشائه
اذكر أسود الله من حكموا الورى
بسيوفقفهم يتسلمون قياده