تتقلب فيها أسراب القطاء وخيوط النعام؛ وقطعان الظباء والآرام» في غفوة
من الدهر» وسكون من الأيام.
هاهنا كان ذلك قبل ستين وأربعماثة للهجرة .
وشاء العلي الأعلى؛ أن تصير مسارب القطاء ومراتع الظباء؛ مسارح
واسعة لكواكب العلماء والنبهاء؛ ومهوى لأفئدة الأولياء والصلحاء؛ ومطالع
يومنا هذاء وإن شاء الله إلى يوم الحشر والجزاء
الأرواح الطيبة؛ ولروحك نفاذ في العقول الكاملة النيرة؟!
شرخ الشباب» فوجدنا ذكريات المجد تتلاطم على جدرانك» ومعاقد العز
أخاديد لا تفنى في العقل واللب.
لمناقشة هذه الأطروحة الجليلة» لا أدري من أين أبدأً؟ وفي أي مدى أققف؟
وسددت إلا عن محاسنك البادية للقاصي والداني كل منفذ. فهل أتكلم عن
الزمان؟ أم عن المكان؟ أم عن الإنسان؟ أم عن الآفاق المبشرة بالخير؛ وهي
« أحياء قائمة الآن في مدينة مراكش +
بادية للعيان؟!
لقد صفا الزمان؛ وأصفى الدهرء واستتب للدولة الموحدية الأمر» بعد
الخمسين وخمسمائة على حد قول الوزير أبي جعفر بن سعيد الغرناطي حين
خاطب عبد المؤمن بن علي في جبل طارق:
تكلم فقد أصغى إلى قولك الدهر فمالسواك اليوم نهي ولا أمر
والخصاعة من الأطلس غربًا» إلى النيل شرفًاء ومن جبال 'البيرينيه؟ في قلب
أوربا شمالا إلى آخر مدى وصله إنسان الحضارة في قلب إْ
فينطفشون بأسرع مما يظهرون؛ لأن الدهر في إسعاد وإقبال» وريح النلصر
تخفق في أرجائها؛ من الشرق إلى الغرب» ومن الجنوب إلى الشمال .
وفي أفيائها تقلب على رأس هذه الدولة المهيبة رجال عظام؛ وأئمة كرام
يدم عبد اومن بن علي» إلى يعقوب لمتصوره الذي ستجمل مدانائر
الحديث عنده.
الشريفة بتعدد اتجاهاتها؛ والفقه الإسلامي بمذاهبه وأصوله وقواعده وعرفتهم
الكريم لجميع شؤون الدولة والحياة مرتكزًً ومنزعًاء فاستقدموا إلى مراكش كل
مذكور بعلم وجميع من يشار إليهم بإبداعٍ وفهم» وقربوهم إليهم؛ وأطلقوا
لهم عقال الاستنباط والاستنتاج» وجمعوهم في مجالس منيفة للمناظرة
وعلا على الخصوص شأن علماء السنة والحديث» فكان لهم السهم الأوفر
والطيران الحثيث .
تضاهي بغداد في أيام تألقهاء وحاضرة قرطبة وزهرائها بان أوجها
وازدهارها؛ ودمشق الشام أيام تطاولها وعظمتها .
في هذا المكان وهذا الزمان ترعرع حافظ المغرب؛ وأحد نجوم علوم
الحديث الزاهرة على مدى الأزمان أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك
المعروف بابن القطان. فهو مغربي الدار» سراكشي القرار» رَضَع من لبان
القرويين وعبعلوم السنة والحديث» والفقه والأصول» من علماء مراكش
والواردين» وتابع سيره العلمي حتى غدا صدرً من الصدور» اعترف له بذلك
الكبار من العلماء؛ من جميع البقاع على مر العصور .
وتكفي شهادة محقق المذهيين» الشافعي والمالكي+ أبي الفتح ابن دقيق
العيد المتوفى 7 ٠ اه المتفق على أنه مجدّد القرن السابع الهجري» وقد أقرله
بالعلم والفضل» ورفيع المكانة؛ والعهد بينهما قريب» فقد ذكر العبدري
صاحب الرحلة أنه التقى ابن دقيق العيد بمصر فقال له: عندكم بمراكش رجل
فاضلء فقال له: من هو؟ فقال: علي بن القطان» وذكر كتابه : بيان الوهم
لقد بلغ هذا الإمام قم اللجد العلمي ما بين سنة ثمانين وخمسمائة للهجرة
8ه وعشرين وستماثة للهجرة ١ 7ه وكتب خلال أربعين سنة من دقائق
الأفكار. وصائب الآراء والآثار » ما تركه شاهدا على تألق الغرب»
الإسلامي بجميع مذاهبه والأصول والتاريخ والآداب والسياسة الشرعية.
وجميع ما كتبه وسطره» لقي التقدير والإجلال في عصره؛ وما تلا
وأظهر فيه ثاقب فكره وعميق براعته؛ هو كتاب «بيان الوهم والإيهام
الواقعين في كتاب الأحكام لعبد الحق الإشبيلي».
لقدرأى ابن القطان كتاب الأحكام الشرعية لعبد الحق الإشبيلي - الذي
أدركه بالسن كتابًا حفيلاً» ونال في حلقات الدرس تقديرً وتبجيلاً» ورأى
فيه ما يحتاج إلى إصلاح وتقويم» واستدراك وتتميم؛ ليكون جليل الفائدة
كبير العائدة؛ فأقبل على ذلك ووطن نفسه عليه» وقام بعمل هو الأول من
وهنا لابد لي من التنبيه إلى أن الباحث المسلم الذي لا يعيش عصره في
أفكاره» ولا يناطح دهره في آراثه؛ ويتوجه إلى أبحاث ماتت أو تكاد؛ قد
التخصصون على كل إسناد ما يستحقه؛ واستمر هذا الأمر حتى القرن
مرحلة أخرى بعد ذلك هي حذف الأسانيد؛ وضم بعض الكتب إلى بعض في
الموضوع الواحد؛ مع بيان المصدر الأصل .
كالجمع بين الصحيحين للحميدي» وعبد الحق. والجمع بين الخمسة
لرزين السرقسطي»؛ وكان ذلك مركزً على أحاديث الأحكام؛ لتكون قريبة
المتناول» ميسرة للباحثين والفقهاء» وظهر قبل عبد الحق الإشبيلي عدد غير
بي أتينا على ذكرهم في كتابنا «نقد الإمام الذهبي لبيان الوهم والإيهام .
أحد بمثله فيه؛ فجمع آلاف الأحاديث في الأحكام الشرعية ومستند الفقهاء»
الرسوخ في محاريب العلم» والاعتماد في مجالس المناظرة والفهم؛ وبقي
عمله من حيث الجمع والترتيب أهم عمل حتى يومنا هذاء فيما نعلم» والله
وجاء دور ابن القطان فتتبع هذه الآلاف من الأحاديث» نقد وقحيصّاء
وبيانًا وتفحيصًا؛ متونًا وأسانيد. مصادر وموارد» واحداً إثر آخر . وكشف
عن صحيحها وسقيمها بحجة واضحة » وعبارة مفصحة؛ وبالتالي فقد خدم
الإسلام والفكر الإسلامي خدمة جُلَّى ؛ وخاصة علم الحديث في نصوضه
وقواعده» وعلم الفقه الذي يرتكز على القرآن والسنة .
وشرَّع ابا جديدًاً في مناهج البحث» ووقف أمام عدد من قضاياه» وأعاد
قبل إلا قليلاً؛ ولا أعلم أحدا سبقه في هذا الميدان خلا الحافظ عبد الرحمن بن
أبواب الفقه وجمع فيه علم أبيه وعمّه؛ ولكن أين هذا من ذاك» فالبون
بل إني أؤكد أن كتاب ابن أبي حاتم وهو مطبوع قطرة من بحر ابن
القطان من جميع الوجوه.
وأماعمل أمير المؤمد ن في الحديث الحافظ أبي الحسن علي بن عمر
الدارقطني المتوفى 80 7ه في كتابه العلل وأمثاله من كتب العلل فله وجهة
أخرى» وبينه وبين عمل سمي أبي الحسن بن القطان عسوم وخصوص»
وعمل الدارقطني محدود بالقياس إلى عمل ابن القطان.
له بابن القطان اختصاص» ومن شدة تأثره به أخذ على نفسه أنه لا يذكر حديثًا
العراقي المتوفى به وابن حجر العسقلاني المتوفى ده ومن تلاهم
حتى يومنا هذاء وغدا عمل ابن القطان محط أنظارهم» ومدار أقوالهم
وكتاباتهم .
كتب الفقه الإسلامي من الحديث الضعيف والواهي والموضوع» وهذا لم يكن
عمل ابن القطان ما علق بها من الشوائبٌ والأوضار . فالزيلعي تتبع أجل
نصب الراية؛ وكانت جهود ابن القطان ماثلة فيه؛ ومن خلال كتاب الهداية
تُشحت كتب الفقه الحنفي.
والحافظ ابن حجر العسقلاني نقّح الكتاب السائر عند الشافعية شرح
وجيز الغزالي لأبي القاسم الراقعي في كتابه البديع «التلخيص الحبير في
تخريج أحاديث الرافعي الكبير» وقال ابن حجر في مقدمة هذا الكتاب:
«وأرجوالله إن تم هذا الكتاب أن يكون حاويًا خُلما يستدل به الفقهاء في
صتفاتهم في القريع:
ومن تتبع هذا الكتاب وجد جهد أبي الحسن بن القطان مبثرنًا في ثناياها؛
ومن جانب آخرء فقد شق ابن القطان في كتابه هذا عملاً لم يسبق إليه من
مزجه قواعد مصطلح الحديث بالتطبيق على النصوص» وكان الأوائل لا
يبرزون القواعد» والأواخر يجمعون القواعد مجردة عن النصوصء فأضاف
بعمله هذا التطبيقي قواعد على غاية من الأهمية والخطورة؛ وكانت عند
سابقيه قليلة منثورة فجعلها في بيان الوهم والإيهام مجموعة ميسورة .
الدين المارديني المتوفى 46 اه عليه المسماة ب «الجوهر النقي» فوجدت أن صنيع
الإمام البيهقي بسيط» وتعليقات المارديني رغم أنها احتذت عمل ابن القطان
فهي لا تداني بيان الوهم والإيهام ولا تقاربه أو تساميه.
في جوانب إبداعية أخرى في عمل ابن القطان لو تقرّناها لطال بنا
الحديث. . . هذا العمل المنفرد في ميدان الدراسات الحديشيّة تطاولت به
من خاصة الخاصة من علماء الإسلام؛ واختلط عليهم هذا الإمام ييحيى بن
سعيد القطان المتوفى ١48 ه.
في أحسن حلة وأدق تحقيق إلى أبناء هذا الزمان» ومن يأتي بعدهم من
الأزمان؟ لنساهم في خدمة السنة النبوية مساهمة أصيلة؛ ونقدم على طريق
تنقيح الفكر الإسلامي نصوصًا جليلة .
لقد هدانا الله تعالى بنعمة منه وفضل إلى التعريف الموجز والإشارة إلى هذا
الكتاب الجليل في مقال نشرناه بمجلة دعوة الحق المغربية؛ وهو حول نقد الإمام
الذهبي لبيان الوهم والإيهام» وكان ذلك منذ عشرين سنة أو زهائهاء ثم
أخرجناه في كتاب أودعناه غرراً من عيون علم مصطلح الحديث» وقلت آنئذ:
إن هذا البحث خطوة على طريق نشر تراث هذا العالم الكبير الحافظ ابن القطان
الفاسي . ومرت الأيام والسنون» وجاءني هذا الشاب المراكشي» يريد تسجيل
أطروحته لدكتوراه الدولة» بعد أن ترس بعلم الحديث وفنونه؛ وناطح علماءه
الجرح والتعديل عند الحافظ ابن حجر العسقلاني+ وناقشناء في مدرج الشريف
الإدريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط »
وعرض علي من الموضوعات ماعرض» حتى قال لي : صح عزمي على
تحقيق كتاب بيان الوهم والإيهام؛ فأجبته إلى طلبته؛. وساعدته على مقصده؛
شريطة أن يكون التسجيل في معقل دار أبي الحسن بن القطان» ومدارج
صباه» وميادين أنظاره ورؤاه» في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة
القاضي عياض بمراكش» لنكون بذلك من خلف أسوار القرون محيين
جنبات هذه الربوع الطيبة الندية ؛ وقدمها للدنيا بنفس ر
سخيّة؛ لاتزال
حية نابضة قويَّة؛ متوارثة مرويّة يحيبها شاب مراكشي جَلْد؛ ومدافع عن السنة
فرغب هذا الشاب المخصدر أمامكم في ذلك أيما رغبة» وانشرح صدره
لهذا الشرط بسرور ومحبة» وكتبنا إلى أخينا السيد القيدوم فحقق الأمنية»
وسهل لهذا الأستاذ بكلية الآداب هذه الوثبة العلمية؛ وهكذا فلتكن الأجيال
لتراث الأجداد المنير باعثة ؛ وعليه محافظة وله وف
وأقبل السيد الحسين آيت سعيد على هذا الكتاب الفريد بصبر ومثابرة»
ومتابعة ومواترة» فنسخ النسخ» وقابل . . . وخر النصوص» وفصل ٠. .
ودرس الكتاب وتأمل . . . واستدرك ما ينبغي استدراكه وكمّل .<< ونقّح
التراجم وحص . . واستخلص النتائج» ووضع القواعد وأصل. .. © ومهد