بين يدي هذه المختارات
الحمد لله الذي علم الإنسانٌ البيان؛ والصلاة والسلام على الرسول
فقد شهدت أمتنا العربية يقظة أدبية ثقافية؛ تبلورت في شكل أكثر
إثر خطواته؛ وقد اختلفت مشارب رواد هذه الثقافة؛ ولكنها في غالبها
والمتتبع لرموز هذه الثقافة؛ يجد أنهم يعودون إلى ثلاثة منابع أصلية:
هي الشام والعراق ومصر. .
المسلمون بالاستعمار» الذي بقدر فعله في تفريق الصف + كان له أثر خفي
٠١4 أخرجه البخاري في صحيحه؛ كتاب النكاح؛ باب في الخطية؛ فتح الباري 4 / ص )١(
الناشر دار الريان للتراث / القاهرة
غير أن الدارس لأدب الطنطاوي يجد أنه ولج باب الأدب ناضج
الفكرة؛ متسلحاً بأدوات الأدب العبقري» عن موهبة لا يملكها إلا أمثاله وما
فقد وقف قلمه ولسانه لمبادئ قال عنها: (. . لدي أشياء ما بدلتها
فقد تربع على قنته؛ ومع ذلك فإني (أكاد لا أعرف قلماً معاصراً ظلمته
وهو يقول عن الناس: (إنهم يعلمون أن في قميصي خطياً ما يقوم له
أحد في باب الارتجال والإثارة؛ وإيقاظ الهمم وصب الحمم؛ ولكن من
الناس من يعقل الحسد السنتهم عن شهادة الحق. أستغفر الله! فما أحب
وهو الرائد في الدعوة إلى فكرة الأدب الإسلامي» التي أصبحت الآن
مدرسة مستقلة في الأدب.
)١( علي الطنطاوي/ من حديث النفس / ص ا
() د. أحمد بسام ساعي / الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد / ص 144
© علي الطنطاوي / من حديث النفس / ص .4.
ولن أوغل في سيرة الشيخ أو تعداد مناقبه فهي تنوء بمثل هذه
الطنطاوي) لترى أي مفكر إسلامي يتصدى لقضايا المسلمين المعاصرة.
اقرأ (أبو بكر الصديق) و(أخبار عمر) و (قصة حياة عمر) و(رجال من
التاريخ) و (أعلام الإسلام) لترى أي رجل عظيم يؤرخ لهؤلاء العظماء.
التاريخ) لتعلم أي خيالٍ مبدع ينسج من الحدث العارض» أو العبارة
اقرأ (من حديث النفس) و (مع الناس) و(بغداد) لتعلم أي نفس هذه
ثم يقنع بمطلب واحد (يقظة قلب أدرك بها حقائق الوجود» وغاية الحياة»
واستعد بها لما بعد الموت)!".
بقرية .
فقد كان من توفيق الله لي أن أرشدني سبحانه دون مرشد من الناس
- إلى الاطلاع على كتب هذا الأديب العظيم؛ فاكتشفت كنزاً لم يخطر لي
من قبل على بال» فكان أقل شكر لله على توفيقه؛ أن أسعى إلى إرشاد من
لم يوفق إلى قراءة كتب الطنطاوي. فاستأذنت فضيلته في أن أجمع بعضاً من
704 علي الطنطاوي / من حديث النقس / ص )١(
(إن عمادي هذا القلم» وإنه لغصن من أغصان الجنة لمن يستحقهاء
وما هذه المختارات إلا قطرات من بحر الطنطاوي الزاخر بالمعرفة
أشبه ما يكون بجامعة» هو أستاذها وكتبه مقرراتهاء وقراؤه طلابها. .
وأملي في قارئ هذه المختارات أن يرجع إلى أصول الموضوعات في
يعدونها من نعم الله عليهم.
وقد جعلت لها عناوين مستقلة وإن كان من أصعب الصعوبات أن
توضع صفحة من كتابات الطنطاوي في إطار موضوع واحدء فهو بمعرفته
الموسوعية يجنح إلى الإستطراد دائماً - نياً أن أكون قد وفقت في عملي
هذاء سائلاً الله جل وعلا أن يُتْْل موازين كاتب بكل كلمة قالها أو كتبهاء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إبراهيم مضواح
محرم 1414ه
.40 علي الطنطاوي / من حديث النفس / ص )١(
() ذكريات الشيخ علي الطنطاوي / جا / اص ٠١
© كتبت هذه المقدمة قبل وفاة الشيخ الطنطاوي رحمة الله عليه بعام؛ عند تمام
كلمة حق
يدرك أية قمة تربع فوقهاء وأي مكانة تسمها في ريادة الحديث الإذاعي
الدكتور
أحمد يشام
الواقعية الإسلامية في الأدب والتقد
صفحة )٠٠١ / ١59(
الإيمان سبيل الإطمثنان
لما كنت في رحلة المشرق» وامتدت بي تسعة أشهر تباماً كنت أفكر
ودهمني مرة هم مقيم مقعدء وجعلت أفكر في طريق الخلاص؛
وأضرب الأخماس بالأسداسء ولا أزال مع ذلك مشفقاً مما يأتي به الغد؛
ثم قلت: ما أجهلني إذ أحسب أني أنا المدبر لأمري وأحمل هم غدي على
كالوسادة لا أعي ولا أنطق ولا أستطيع أن أحمي نفسي من العقرب إن دبّت
وباب الاطمثنان» والطريق إلى بلوغ حلاوة الإيمان هو الدعاءء ادع
الخطباء على المنابرء يريدون إعجاب الناس بحفظهم وبيانهم؛ أكثر مما
بت الهاتف مقطوع؛ بل المدار على حضور القلب» واضطرار الداعي»
تحقق الإخلاص» وَرْبٌ كلمة عامية خافتة مع الإخلاص والاضطرار أقرب
7 الإجابة من كل الأدعية المأثورة تُلقى من طرف اللسانء
فإن أنت أدمت صحبة الصالحين ومراقبة الله ولازمت الدعاء وجدت
الروح لكفى» فكيف وأنت واجد مع ذلك سعادة الأخرى. ورضا الله("
أثر الإيمان
. .ملاك الأمر كله ورأسه الإيمان؛ الإيمان يُشبع الجائع؛ ويدفئ
الشحيح؛ ويجعل للإنسان من وحشته أنساء ومن خيته نجحاً. .. ©
الحقيقة الكبرى
ليس الموت فناء؛ ولكنه ُقلة إلى عالم أوسع وحياة أطول» كثقلة الجنين
أفراح ولها مآس؛ والمجنون من يشك في الحياة الأخرى أو يماري فيها أو
الفضيلة؛ الكذب فيها مَنجاة؛ والنفاق مَفازة؛ يُعاقب فيها البريء ويسلم
(1) فصول إسلامية / ص 156 - 188
- صور وخواطر / ص 14
هذا إذا كان الحس ينقطع بالموت..
أصلاب الآباء إلى ما بعد يوم الجزاء.
وكيف كانت الحياة لتحتمل من غير البوارق الروحية؟ كيف كنا نصبر
ولن تبقى حضارة تعنى بالمادة وحدها وتنسى الروح؛ ولن تثمر
للناس سعادة؛ إنما السعيد في هذه الدنيا هو المؤمن؛ الذي عرف حقيقة
الدنيا فلم يعطها من نفسه أكثر مما تستحقء وأدرك غايتها فسعى لها
سعيهاء فراقب الله وجرى على ما شرع له على السنة أنبيائه؛ فعاض
يموت غداً؛ عالماً أن العبادة ليست في المسجد وحده. بل الأرض كلها
مسجد؛ والأعمال النافعة كلها عبادة؛ ليس في ديننا الفرار من الحياة
لبسوا الصوف وأظهروا شارة الزهد ليأكلوا الدنيا بالدين»؛ ولكن ما عرفنا