فصل
التدليس: مأخوذ من الدلس وهو اختلاط الظلام»
فكأن المدلس يوقع الناظر في سند الحديث في خلط وعدم
تمييز بين الفاسد والصحيح كيا هو الحال في أخذ الشيء في
الظلام؛ فقد يأخذ الإنسان فيه ما يكون فيه هلاكه .
وهو على ثلاثة أقسام عند أهل الحديث؛ واقتصر
وتبعه ابن كثير في مختصرها .
القسم الأول: تدليس الإسناد وهو أن يسقط الراوي اسم
موهم له كقوله, عن فلان» أو إن فلاناً, أو قال فلان
إلا إذا كان المدلس قد عاصر المروي عنه؛ أو لقيه ول
الحافظ .
وحكى ابن عبد البر في « التمهيد » عن قوم انه تدليس»
ابن عبد البر: وعلى هذا فيا سام من التدليس أحد لا مالك
القسم الثاني: تدليس الشيوخ؛ وهو أخف من القسم الأول
بوصف لا يعرف به؛ من اسم أو كنية أو نسبة إلى قبيلة أو
بلد؛ أو صنعة؛ أو نحو ذلك كي يوعر الطريق إلى معرفة
السامع . :
وهذا يوقع الناظر في السند في حيرة ريما دعته إلى ترك
المسمى بما لا يعرف به. هذا قال ابن الصلاح: وفيه
تضييع للمروي عنه . قال الحافظ العراقي: وللمروي أيضا
بأن لا يتنبه له فيصير بعض رواته مجهولاً .
قال الحافظ العراقي في شرح ألفيته: ويختلف الحال في
كراهة هذا القسم باختلاف المقصد الحامل على ذلك؛ فشر
تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه وقد يكون الحامل /
على ذلك إيهام كثرة الشيوخ؛ بأن يروي عن الشيخ الواحد
في مواضع يعرفه في موضع بصفة؛ وفي موضع آخر بصفة
أخرى» يوهم أنه غير .
وحكم من دلس الراوي الضعيف بأن غير اسمه ليقبل
خبره - كما فعل كثير من الرواة في مد بن السائب الكلي .
وحمد بن سعيد المصلوب المتهمين بالكذب» بل الثاني متهم
بالزندقة - حكم من فعل هذا رد خبره؛ والطعن فيه بسبب
ذلك» لأن ذلك ينافي العدالة المطلوبة في الراوي .
وإن كان أهون من الأول لكنه غلط من فاعله, لجواز أن
المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط الضعيف
الذي في السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة
الثاني بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات.
قال العراقي: وهذا شر أقسام التدليس» لأن الثقة الأول
قد لا يكون معروفاً بالتدليس؛ ويجده الواقف على السند
كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له
بالصحة؛ وفي هذا غرر شديد .
قال العلائي في « المراسيل ؛: فهذا النوع أفحش أنواع
التدليس مطلقا وشرها .
قال: ولا ريب في تضعيف من أكثر من هذا النوع.
وقد وقع فيه جاعة من الأئمة الكبار لكن يسواً.
ذكره بالتدليس أنه تعمد الكذب؛ وهذا أمثل ما يعتذر به
عنهم؛ والله أعم .
وقد ألحق الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في
مقدمة طبقات المدلسين بأهل التدليس ما يقع من بعض
المحدثين من التعبير بالتحديث أو الإخبار عند الإجازة؛
قلت: وهذا قسم رابع من أقسام التدليس على ما صنع
الحافظء ويمكن أن يسمى تدليس العبارة عن التحمل؛ أو
الإخبار عن كيفية التحمل .
ويدخل في هذا النوع أيضاً؛ من صرح بالتحديث لكن
تجّر في صيغة الجمع فأوهم دخوله؛ وليس كذلك كما قال
الحافظ في مقدمة طبقات المدلمين.
وكذلك وصفوا بالتدليس من صرح بالتحديث في
الوجادة. وهي ما أخذ مما وجد في كتب أهل الرواية من
معروف بين أهل الحديث كما في كتب المصطلح .
فائدة: الفرق بين التدليس . والإرسال الخفي دقيق جداً .
ولهذا الحقه بعضهم بالتدليس » ولكن الأولى التفرقة ليحصل
التمييز بين النوعين فالتدليس قد عرفت صوره فيا تقدم.
كذا عرفه الحافظ العراقي في شرح ألفيته في المصطلح
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة ؛ طبقات المدلسين»: وإذا
فهو الإرسال الخفي. ومنهم من ألحقه بالتدليس والأول
التفرقة لتمييز الأنواع.
قلت: وتعريف العراقي أت من تعريف الحافظ رحمهها الله
تعالى . والأمور التي يعرف با الإرسال الخفي كثيرة»
يحتاج إلى طول نظر وملازمة البحث لأنها من علل الإسناد
لقفية التي لا يتقن معرفتها والتفطن لا إلا الحذاق من أهل
التدليس بجميع أنواعه المتقدمة مكروه عند أكثر أهل
العلم بالحديث وبعضه في الكراهة أشد من الآخر.
قال الخطيب في « الكفاية»: التدليس للحديث مكروه
عند أكثر أهل العلمء وقد عظم بعضهم الشأن في اذمة
ويذمة ...
واسند عنه أيضا أنه قال: التدليس في الحديث أشد من
الزناء ولئن اسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس.
قلت: ومع هذا التشديد الذي ورد عن شعبة في التدليس
فقد لُمِرّ به كما سيأتي في الخاتمة إن شاء الله تعالى .
وأسند الخطيب أيضاً عن أبي أسامة أنه قال: خَرّب الله
ذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسام: « المتشيع بما لم
بعط كلابس ثوني زوره؛ قال حماد: ولا أعام المدلس إلا
وأسند عن ابن المبارك أنه كان يقول: لأن أخِزّ من
وروى الحاكم في «علوم الحديث» عن عبدالصمد بن
والخداع والكذب. تحشر يوم تبلى السرائر في نفاذ واحد .
وروى الحاكم أيضاً عن عبدان قال: ذكر لعبدلله بن
المبارك رجل ممن كان يدلس فقال فيه قولا شديداً وانشد
دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا
وقال النووي رضي الله تعالى عنه في «التقريب*
ويختلف الحال في كراهته بحسب غرضه.
فإن كان التدليس لأجل راو غير ثقة» فيريد أن يروج
حديثه لثلا يتنبه له فهذا حرام» وهو شر أقسام التدليس .
وعلى كل حال فالتدليس ينبغي التحرز منه ويكفي في قبحه
قال الحافظ السيوطي رضي الله تعالى عنه في « تدريب
الراوي »:
« فائدة: استدل على أن التدليس غير حرام بما أخرجه
ابن عدي في «الكامل » عن البراء قال:لم يكن فيئا فارس
يوم بدر إلا المقداد. قال ابن عساكر: قوله فينا: يعني
وبعد هذه المقدمة الموجزة نشرع في شرح المنظومة»؛
فنقول: قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى:
ذكر في هذا البيت رجلين ممن رمي بالتدليس. أحدهيا
جابر الجعفي » والثاني الزهري .
و يذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالل في طبقاته
جابراً الجعفي» وذلك فيا أرى - والله تعالى أعلم - لكون
جابر جرح بالكذب, والاختلاق فحديثه مردود سواء دلس
أو لم يدلس » فالفائدة من حديثه معدومة؛ سواء قال حدثنا
أو عنعن. ولكن هذا على رأي الجمهور في العمل على
جرح جابر الجعفي بالكذب ورد حديثة .
ولأجل هذا ذكره البرهان الحلبي في كتابه في المدلسين»؛
ويظهر أن الحافظ اختار قول الجمهورء وهو الأصح بل
الصواب كما يظهر لمن تتبع كلام أهل الجرح فيه وسنشير
فنقول: جابر الجعفي هو ابن يزيد بن الحارث بن عبد
يغوث الجعفي أبو عبداللف» ويقال: أبو يزيد الكوفي أحد
علماء الشيعة . روى له: أبو داود والترمذي» وابن ماجة في
ردى عن:أبي الطفيل آخر الصحابة موتاً؛ وعن جماعة
من التابعين منهم الشعبي وأبو الضحى؛ وعكرمة وعطاء
وطاووس وخيثمة والمغيرة بن شبل وجاعة .
وروى عنه: شعبة وسفيان الثوري وإسرائيل والحسن بن
حي وشريك وبسعر ومعمر وأبو عوانة وغيرهم.
وقد أثنى عليه سفيان الثوري وقال: كان جابر ورعاً في
صدوق إذا قال حدثنا؛ وأنبأنا. وسمعت فهو أوثق الناس
قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر الجعفي
من أصدق الناس» وقال أبو العرب الصقلي في ؛ الضعفاء»: