حتى يظن من لا علم له بالموضوع أن المعركة بين ملتين +
أو أن التطاحن بين معسكرين ؛ ومن المعلوم أنه لا يبغي
جميعاً متعاونين في حمل لواء هذا الدين .
؟ - ولا فيه من ترك العدو الحقيقي » وتحويل المعركة
وهدني من هذا هو تذكير كل من الفريقين بما ينبغي أن
يكون عليه من الحب والمودة لجميع علماء المسلمين +
وتجسيد ذلك التذكير بعَلَّم من أعلام المسلمين الذين جمعوا
بين الحديث والفقه » وحملوا لواء التوفيق بين الفريقين
بأسلوب حكم .
كلمة عن حياة الخطيب وعلومه :
ولد الحافظ أبوبكر أحمد بن علي بن ثايت الخطيب
البغدادي في قرية قريبة من بغداد تسمى « دَرُزبجان » وذلك
العلماء المشهورين ؛ وإنما كان له إلمام بسيط بالعلم ؛ فقاد
كان خطيب الجمعة والعيدين بقرية ١ دَززبجان » فبث فيه
وحضور مجالس العلماء ؛ وما أن صار في سن اتمبيز حتى
دقعه إلى هلال بن عبدالله الطيبي ليعلمه القراءة والكتابة +
فتأدب به ؛ وتعلم منه القراءة والكتابة وقراءة القرآث +
ولما آنس والده منه أهلية الفهم والحفظ أراد أن يخرجه
عدثاً ؛ فبكّر بإرساله إلى جامع المدينة بيغتاد لسماع
الحديث وهو ابن إحدى عشرة سنة ؛ فأسرع الخطيب سنة
ثلاث وأربعمائة إل حلقة ابن رزقويه وجلس فيا ؛ وكتب
سنوات ؛ لأنه أراد أن يدأ بالفقه ثم يعود إلى الحديث +
فذهب إلى كبار الفقهاء بيغداد في ذلك الوقت » كأي
في بغداد » وأحمد بن محمد المحاملي شيخ الشافعية ببغداد بعد
رزقويه فكتب عنه الحديث ؛ وهكذا صار يتعلم الفقه
والحديث وغيرهما من العلوم الإسلامية » ويتثقف التثقيف
ثم فكر بالتخصص في فن واحد من الفنون ؛ واتمكن من
علم واحد من العلوم ؛ فمالت نفسه إلى التخصص في
الحديث وعلومه » وعرف حق المعرفة أن هذا اليل سيكلفه
جهوداً ومشاق جسيمة ؛ فعرف أن عليه أن يهجر الأهل
والولد » ويترك الأحباب والوطن » ويتقل في البلدان
مفتشاً عن المحدثين والحفاظ لجمع الحديث من أفواههم .
لقد عرف هذا كله ورضي به وعزم على تنفيذه . فبعد أن
ب ص بغداد - على كثرتهم - وأخذ الحديث
عنهم » عزم على الرحلة إلى الأقطار الإسلامية ؛ ليجتمع
الرحلة تبدأ المرحلة الثانية من مراحل حياته العلمية الثلاث
وهي :
المرحلة الأولى : مرحلة بدء الطلب والتثقيف العام
والعزم على التخصص في الحديث .
المرحلة الثانية : مرحلة إنشاء-الرحلات العلمية وجمع
الحديث وتصنيف تاريخ بغداد .
المرحلة الثالثة : مرحلة إخراج المصنفات والتحديث .
وقد قام في هذه المرحلة من حياته بثلاث رحلات علمية
زار فيها ثلاث عشرة ناحية ومذينة كانت من أشهر بلاد
الرحلات هي :
الرحلة الأولى : إلى البصرة ؛ ماراً بالكوفة .
الرحلة الثانية : إلى نيسابور » ماراً بأصبان والري
وهمذان والدينور والجبال +
الرحلة الفالثة : إلى مكة المكرمة ؛ ماراً بدمشق وصور
والمدينة المنورة والقدس .
وقد التقى خلال تلك الرحلات بكبار المحدثين والحفاظ
وأخذ عنهم واستفاد منهم . ومن هؤلاء الحفاظ القاسم إن
جعفر الهاشمي راوية السنن » ومنهم الحافظ أبونيم الأصياني
محدث أصيهان » ومنهم الحافظة كريمة بنت أحمد ١
التي كانت مجاورة بمكة المكرمة فالتقى بها وقرأ علها صحيح
البخاري في خمسة أيام » وكان عمرها إذ ذا
وكان عندها أعل سماع لصحيح البخاري في ذلك الوقت »
وكان في هذه المرحلة يجمع الحديث أ رحلاته ثم يعود
إلى بغداد فيرتب ما جمعه وببيثه للمصنفات التي يعزم على
انين سنة +
مادته زهاء خمس وعشرين سنة ؛ وأنبى تصنيفه في هذه
المرحلة +
وبعد رحلته الثالثة التي حج فيا بيت الله الحرام +
ورجوعه إلى بغداد سنة 445 ه تنتبي المرحلة الثانية من
حياته » وهي مرحلة إنشاء الرحلات وجمع الحديث
وتصنيف التاريخ .
وتبداً المرحلة الثالثة من حياته عندما استقر يبغداد عاكفاً
ثم مخرجاً له على شكل مصنفات مفيدة متنوعة عدثاً بها
مصنفات الخطيب فتبلغ أربعة وخمسين مصنفاً إلى اسنة
الكبير ؛ وحدث في هذه اله بجامع المنصور ببغداد واشتهر
الخطيب بين الناس حتى وصلت شهرته إلى الخليفة ؛ وكان
من حسن حظ الخطيب أن زميلاً من زملائه في العلم
الزميل هو علي بن الحسن بن أحمد أبو القاسم العروف
بابن المسلمة ؛ وقد جرت حادثة اسنة .سبع وأربعين
وأربعماثة مع هذا الوزير » كان لهذه الحادثة أكبر الأثر في
رفع مقام الخطيب وانتشار سمعته » وهذه الحادثة : كا رواها
ابن الجوزي في المنتظم فقال :
« وكان قد أظهر بعض اليبود اليوم كتاباً ؛ وادعى أنه
كتاب رسول الله تَلِ بإسقاط الجزية عن أهل خيبر +
وفيه شهادات الصحابة ؛ وأن خط علي بن أبي طالب »
فيه ؛ فعرضه رئيس الرؤساء ابن المسلمة على أني بكر
الخطيب فقال : هذا مزوّر قيل من أين لك ؟ قال في
الكتاب شهادة معاوية بن أني سفيان ؛ ومعاوية أسلم يوم
الفتح ؛ وخيبر كانت في سنة سبع ؛ وفيه شهادة سعد بن
معاذ , وكان قد مات يوم الخدق ؛ فاستحسن ذلك
لظهور تزويرة 096 .
وارتفعت منزلة الخطيب عند ابن المسلمة وكبر في عينه
١ ) المنتظم 175/8 وتذكرة الحفاظ 1181/73 . وطبقات الشافعية الكبرى
والوعاظ والقصاص ألا يورد أحد منهم حديثاً عن رسول
الله عَْكِ حتى يعرضه على أني بكر الخطيب ؛ فما أمرهم
المرجع الأول في عاصمة الخلافة اسبلامية في الحديث ومعرفة
وبقي الخطيب طيب النفس » قرير العين بما بلغه من
وهي عبارة عن انقلاب سياسي خطير كاد يطيح بالخلافة
واستطار شر هذه الفتنة ؛ وصُلب فيها ابن المسلمة صديق
الخطيب » وثُفي الخليفة إلى « حديثة عانة » وحبّس هناك +
ودعي للخليفة الفاطمي يوم الجمعة بجامع المنصور » وزيد
في الأذان ١ حيّ على خير العمل » فخشي الخطيب أن تُدَيرَ
له مؤامرة » ويُوشى به لدى البَسَاسيري عميل الفاطميين
للقضاء عليه » وليس له في ذلك الوقت حول ولاقوة +
14/4 تذكرة الحفاظ 1141/8 ومعجم الأدياء ) ١
والبلاد في فتنة نموج كموج البحر » فقرر الهجرة إلى دمشق
دمشق اتخذ ١ نة الشرقية من الجامع الأموي مسكناً له +
27 التدريس في نفس المسجد ؛ وصارت له حلقة كبيرة
ويطيب له لتقام في دمشق ويبقى فيها مدة طويلة
تقارب ثماني سنوات » لكنّ القدر يعود
أخرى - وهكذا العلماء والدعاة يُمتحنون - فقد كان يقرأ
فيما يقرأ على الناس كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد »
وكتاب فضائل العباس لابن رزقويه؛ فسمع بذلك
فاستجار ببعض الأشراف فأجاره على أن يخرج من دمشق +
على الراجح
١ ( ) البفاية لابن كثير 101/17
واختار مدينة صور لما فيها من العلماء والمحدثين وطلبة
الحديث » فحدث فيها وروى بعض كتبه » وأثناء إقامته
بصور كان يتردد على بيت المقدس للزيارة(0 .
فخرج من صور سنة 477 ها بصحبة بعض إخوائه فمر
ببعض الشيوخ وسمع منهم » ثم توجه إلى بغداد فوصلها في
ذي الحجة من سنة 4767 ه ء وكان وده في الطريق في
كل يوم ختمة من القرآن» ولما وصل الخطيب إلى بغداد
فرح بوصوله إليها سالا بعد فراق ا دام إحدى عشرة
سنة ؛ وأستأنف دروسه في جامع المنصور ؛ وفي نصف
رمضان من سنة 437 ه مرض ثم اشتد مرضه فتوفي في
ضحى الاثنين سبع ذي الحجة من سنة 457 ها رحمه الله
رحمة واسعة » وبوفاته طويت صفحة من صفحات العلم
الحافلة با والتصنيف والتوفيق بين العلماء فجزاه الله
الجزاء .
١ ( ) تذكرة الحفاظ 1147/2
7 ) تذكرة الحفاظ ؟/1174