وفي الفصل الخامس ؛ اوضحنا مدى التغلغل الذي حققته النصيرية
في المؤسستين العسكرية والسياسية وعبر قنوات عدة . ومن ثم الأستحواذ
على السلطة .
وتناولنا في الفصل السادس التحرك السياسي للتصيرية ضمن محاوره
العربية والدولية ؛ ومدى تأثيره وانعكاسه على مجمل الاوضاع في المنطقة +
لقد اعتمدنا في هذه المقدمة الايجاز في الحديث عن عراقة سلوك
النصيرية في معاداة الامة العربية عبر مسيرة التاريخ » واكتفينا بالاشارة
الى صور ومواقف منها في تاريخ الامة المعاصر . لأن فصول الكتاب
اللاحقة قد اغنت ذلك الى حد بعيد
قد لا نغالي اذا اكدنا ‏ بتواضع - ان القارى سيجد في هذا الكتاب مادة
عن النصير ية من قريب اوبعيد » املين ان يأخذ الكتاب مكانه المناسب
واهدافها
والله من وراء القصد .

الفصل الأول
التوزيع الجغرافي

ان دراسة التوزيع الجغرافي للطائفة النصيرية في سوريا تشير الى تمركز
اغلبية الطائفة في المناطق الآتية «لاحظ الخارطتين رقم ‎١‏ © 7» : محافظة
اللاذقية بأقضيتها الأربعة اللاذقية والحفة «صهيون» وجبلة والقرداحة »
ومحافظة طرطوس بأقضيتها الخمسة » طرطوس وبانياس «مرقب» والشيخ
الأقضية المجاورة لهاتين المحافظتين ؛ ففي محافظة حماة ؛ قضاء مصياف
«العمرانية» وبعض القرى في قضاء حماه » وفي محافظة محص » قضاء تل
ان هذه الأقضية جميعها تشكل منطقة جغرافية متصلة » ثلا سكانها
حين يوجد بقية النصيرية بأعداد قليلة في مناطق متفرقة من سوريا مثل
القنيطرة وبعض المدن الكبيرة مثل دمشق في محلة الميدان » وحمص وقليل
في حلب .9
السبعينيات يلاحظ انها لاتضم سوى اربعة حقول هي ؛ المسلمون
والمسيحيون واليهود وديانات اخرى !")
‎)١(‏ محمد امين غالب الطويل » تاريخ العلويين » دار الأندلس للطباعة والنشرء
بيروت 1437 » ص 468 » مصطفى الشكعة » اسلام بلامذاهب ؛ الدار
المصرية للطباعة والنشراء ط؟ بيروت 147/1 6 ص 07 .
‏() الجمهورية العربية السورية » سجلات الأحوال المدنية للسنوات 1417/6 -
17 . ويدوا ان الحقل الأخير زيدية لأن الرقم الذي يذكرفيه هو
‎7٠‏ نسمة لسنة 14173 وهويمثل حجم اليزيدية في سوريا .

المسيحية واليهودية ضمن حقل المسلمين في حين كانت الاحصاءات
ففي سنة 1857 كان عددهم ‎٠‏ 174/0© نسمة يشكلون مايقرب من ‎101١‏
‏من سكان سوريا البالغ عددهم زهاء ار مليون نسمة .(""واذا
أن عدد التصيرية منهم يبلغ زهاء ١را‏
مليون نسمة . ورغم كون النصيرية اقلية » الا انهم اكبر الاقليات عددا
فهم يشكلون اكثر من ثلث الاقليات الدينية في سوريا .
وتب ين صورة التوزيع الجغرافي للنصير ية في سورية ان هذه الطائفة
كانت منعزلة جغرافيا . اوكما يسميها بعض الباحثين «الاقلية
المغلقة!*)» . وهي الاقلية التي تتركز بشكل رئيس في منطقة معينة وتشكل
فيها اغلبية محلية . ويمكن تحليل العوامل التي تفسر صورة التوزيع
الجغرافي للطائفة بالشكل الاتي :-
يقدرون اليوم ب ‎٠١‏ ملايين نسمة
تناز منطقة العزلة النصيرية في كونها اكشر مناطق سورية وعورة
(©) للمزيد من التفاصيل » انظر : عبد الرحمن حميده » جغرافية سورية البشرية +
مطبعة الجيلاوي ؛ القاهرة 147/1 ص 011 ؛ عبد العزيز عثيان ومحمد
التقي عبد الرحمن ؛ سورية ولبنان » مكتبة ربيع . حلب 1464 ص

وارتفاعا » حيث تمثل جبال النصيرية العمود الفقري للمنطقة (*) . وكيا
هوواضح في الخارطة :©» تمتد هذه السلسلة الجبلية من منابع نهر الكبير
الشماليمالذي يفصلها عن جبال الاقرع في لواء الاسكندروته ؛ الى نهر
الكبير الجنوبي الذي يفصلها عن جبال لبنان الغربية . وهي جبال التواثية
يبلغ اعلى ارتفاع لها في الشمال عند صلنفة «1877ق» » كما انها عريضة
نسبيا اذيتراوح عرضها مابين 18 - ‎7٠0‏ كم ويبلغ طول السلسلة من
والكلبيه ؛ وتتحدر سفوح جبال التنصيرية غربا بصورة تدريجية نحو
البحر » اما من الشرق فأنها تتحدر انحدارا عموديا نحوالأخدود
الأنتكساري وخاصة عند سهل الغاب الذي يجري فيه نهر العاصي +
وتصل شدة الأنحدار احيانا الى ‎١‏ كم في مسافة ‎8٠‏ كم ؛ اي انها تبدو
كجدار شاهق ؛ ولا تخترقها الممرات من وسطها سوى طريق حماه -
مصياف ‏ بانياس في الجنوب ؛ ولكنبا تلتف حول اطرافها » كطريق
حلب جسر الشغور - اللاذقية في الشمال . وطريق حمص - تل كلخ -
طرابلس في اقصى الجنوب » وتوجد في جبال النصيرية صدوع وشقوق
القلاع التاريخية الحصينة للسيطرة على طرق النقل الساحلية او المنافذ التي
تربطها بالداخل » كقلعة صهيون بالقرب من الحفة » وحصن المرقب قرب
(8») كانت جبال النصيرية تسمى بأسياء عديدة عبر العصور التاريخية » ومن
اسمائها «برجيلوس» و«البهراء» طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة
ج ؟ ‏ شركة التحاءة والطباعة المحدد ‏ بغداد 1485م 6 ص 114 .

بانياس + وبرج صافيتا ؛ وقلعة الحصن المسماة «حصن الاكراد» بالقرب
اما من ناحية المناخ فتمتاز جبال النصيرية بالبرودة الشديدة شتاءاً »
خصوبة التربة وبخاصة في السفرح الغربية » حيث تزرع الحبوب والتبغ
والكروم ؛ «الشجرة المققدسة عند النصيرية» » وينابيع الجبال قليلة لأن
الطيقة الجتيع ه من التو تع على تق 77 + فتتسرب مياه الأمطار
الى اعاق الأرض » واهم الينابيع نبع السن ونبع بانياس ونبع
الأبرش .
نتتج مما سبق ان المنطقة حصيئة وصعبة الاجتياح اضافة الى توفر
في المحافظة على الموجودين فيها من النصيرية (9) . وتزداد اهمية المنطقة
اليوم بأعتبارها المنفذ البحري الوحيد الذي بقي لسوريه بعد فقدان لواء
الاسكتدرونه واستقلال لبنان .
(9) عبد العزيزعثان واخر : المصدر السابق ص 97-816 +
© نفس المصدر السابق ‎١‏ ص +4 +
(/) نفس المصدرء ص 28-707
(4) ابوموسى الحريري : العلوين النصيريون - بيروت 1480 ص ‎7١4‏ +

العوامل الجغرافية التاريخية والبشرية :-
كانت سورية حطاً لحجرات البدومن الجزيرة العربية منذ اقدم العهود
كما كانت بودقة انصهار الحضارة والبداوة » وان حصة بلاد الشام من هذه
الهجرات كانت اعظم من حصة اي من اقطار الشرق الأدنئ التي هاجر
اليها البدومن الجزيرة العربية » ولا يعني هذا ان استيطاناً جماعياً للجبال
قد تم من قبل هذه العشاشر فجغرافية المنطقة لاتسمح بذلك . وفي كز
مكان حول شبه الجزيرة العربية توقف بدو الصحراء توقفاً واضحاً امام
الجبال وكانت سلسلة جبال البهراء مستعصية عليهم لنتؤاتها ولوعورة
مسالكها وصعوبة اجتيازها ولطبيعة مناخها . وقد وجدت جماعات
النصيرية في هذه المنطقة الوعرة مأوى لها فتوافدت اليها واتخذت منها
عاداتهم وتقاليدهم وقيميهم عليهال"') . وبقيت عقائدهم وثنية متخفية
وراء بعض الطقوس الاسلامية!'") . حتى اخحذت صورتها الأخيرة
بتغذيتها من فارس في مراحل تأريمية مختلفة . وهنالك الكثير من المؤشرات
التي تثبت ذلك متها :-
‎-١‏ ان مؤسسي العقيدة النصيرية من بلاد فارس » فقد كان محمد بن
نصير العبدي من فارس كما كان يمجد شخصيات فارسية مثل ازدشير
6.328,| 1006 1940 ,5انا7 ",فعاانامعلم وول ث8 ,3908ل 10/618158 (10)
‎)١١(‏ ح . رشيد تانقوت : النصير يون والنصيرية ‏ مطبعة ديفل اسطنبول
‏("١)_ابوموسى‏ الحريري : المصدر السابق © ص 77

الخصيبي الذي ترك جنبلا وساح بلاد خراسان ثم استقر في
رن وجود فرق من التصيرية والعلي الهيه داهل الحق» المشاببين هم في
العقيدة ؛ في بلاد فارس الى اليوم!*) , وكذلك على الطريق بين
التي يرون فيها افكاراً بعيدة عن الاسلام ويينون فيها مراكز لنشر
أفكارمم لآن أهل خراسان لم يقبلوا الاسلام بصدق وكانوا دائما تحت
تأثير النصيرية 159
*- يوجد النصير يون اليوم اضافة الى وجودهم في سوريا في لواء
الاسكندرونه وفي منطقة كليكيا «قيليقيا» في تركيا بجوار منطقة
يرحلون من خراسان ويأتون الى جوار نهر العاصي والى
جبال اللاذقية ويستوطنون فيها ؛ وجاءت قبيلة عبدى من «ماوراء
النبر» ؛ أي منطقة نبرى سيحون وجيحون شال بلاد قارس »
؟١عط ‏محمد امين غالب الطويل : المصدر السابق‎ ٠ ‏نفس المصدرص‎ )١(
2 414 ‏المصدر السابق ص‎ )(
(1) رشيد تانقوت : المصدر السابق + ص 77

قبيلة نصيرية من بلاد فارس 177 . ويتضح في الخارطة «رقم 6» أن
ويلاحظ هناك تشابه بين اسماء الأخهرفي منطقتي النصيرية في فارس
وكليكيا ؛ مما يوحي بوجود علاقة بين سكان المنطقتين .
كانت تأتى من بلاد فارس
يستطيع عامة الشعب السوري تمييز النصير ي في كثير من الأحيان من
ج ‏ الزحف الجغرافي للنصير:
بعد ان ضاقت جبال النصيرية بسكانها ؛ بحيث اصبحت اعلى
مناطق الكشافة السكانية في سوريا ؛ وما كانت قابلية الجبال على الأعالة
محدودة فقد رأى النصير يون ان مجالهم الحيوي للتوسع هو السهول المجاورة
على جانبي جبال النصيرية فبدأوا بالزحف اليها . وقد احتل القرويون
النصير يون » بأنحدارهم من مرتفعاتهم » السهول الخصبة المحيطة بهم
27# ‏المصدر السابق + ص‎ )١(