والباحث في علم مقارنة الأديان يجد في تراثنا الإسلامي - المخطوط منه
والمطبوع ما يشهد على دخول الناس في دين الحق بعد مشاهدتهم للحقائق
والبراهين الدالة على صدق الرسالة الإسلامية لشمولها وعالميتها ولعدم تفريقها بين
غني وفقير» أو تغليبها لأبيض على أسود. ولقيامها بالعدل وإنصافها للمظلوم من
الظالم . وبعد أن لمس العقلاء فضل هذا الدين ورفعة شأنه. فلا غرو أن بحفل تراثنا
الإسلامي بصفحات مضيئة من تاريخ هذه الأمة سطّرها أعلام أفذاذ أناروا بها طريق
والدراسات التي تناوها «علم مقارثة الأديان» تُفصح عن نتائج مهمة آلت
القصد والهدف من إنشاء هذا العلم تشويه عقائد المسلمين وإلقاء الشبهات حول هذا
الدين ولكن الله غالب على أمره إإنهم يكيدون كيداً وأكيد كيدأ.
لقد خرجت هذه الأبحاث لتزيد من أحقَيّة هذا الدين في أعين المنصفين
ولتفضح حسد المشركين وجهلهم. ولتصفعٌ أعداء الإسلام والمسلمين وتردهم على
أعقابهم خاسرين. وإن دراسة الأوضاع الخطيرة المحيطة بالمسلمين في عصرنا
الراهن» تظهر بوضوح مدى شراسة الحجمة الجاهلية التي تشنها على الإسلام وأهله
قوى الشر والعدوان. ممن يرفعون شعار التنصير والتهويد. والإلحاد.
أهل البغي في عَيّهم
ولهذا فقد توالت المؤامرات. وكرت المكاثد للنيل من الإسلام وعقيدته
بجميع أنواعه وأشكاله في وجه المسلمين للقضاء عليهم والتخلص منهم.
ومع مرور الزمن تثبت الأحداث للأعداء أن لغة الحرب والسلاح لم تعد كافية
للسيطرة على مقدرات هذه الأمة وأسباب غزتها. وهذا فقد تعددت وسائلهم من
الغزو العسكري إلى الغزو الثقاني لتحطيم المبادىء والأسس التي بنيت عليها عقيدة
التوحيد ولزعزعة القواعد الخلقية في نفوس أبناء هذه الأمة لرميها في أحضان الشرك
والإلحاد. بعد أن عجزت آلة الحرب والدمار عن تحقيق هذا الغرض الخبيث.
ووفق خطط موضوعة ومدروسة تمكن الأعداء من بِتّ جذور الشقاق والنزاع
بين المسلمين وذلك عبر توسيع الخلاف بين آرائهم ومذاهبهم العقدية والفقهية
بعض» وراحت جماعات تتقاذف عبارات الزندقة والشرك» وكل ذلك نتيجة
للمناقشات الجدلية الجوفاء؛ والتي كان يثيرها من طرف خفي علماء الغرب بين آوئة
وأخرى متسترين تارة بالبحث العلمي النزيه؛ وبنشر التراث تارةٌ أخرى» إلى غير
إل أن الصحوة الإسلامية التي بدأت تأخذ دورها في قلب الأمة الإسلامية
بعثت الأمل في تفويت الفرصة على الأعداء . وما كانت الحاجة ماسة إلى نقل الصراع
الفكري الذي غذاه أعداء الإسلام بنشر أسباب الفرقة بين المسلمين وإشغالهم
بأبحاث لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فضلاً عن التشاحر والدوران في حلقات
فقد وجدت من المناسب التفكير بما ينفع الأمة. ويثير في أبنائها الحماس
لمواجهة الأعداء بدل الخوض في مسائل أشبعت درساً وتمحيصاً
وإنه قد حان الوقت لكر ونقل هذا الصراع إلى ساحة الأعداء لدحر ما علق
بأذهائهم من خرافات وأوهام» ومواجهتهم بما لدينا من معارف وعلوم هم بحاجة
وأحمد الله أن وفقني في العثور على وثيقة تواجه أعداء المسلمين وتثبت لهم أنهم
الحق. وأن الإسلام واضح كالشمس لا يحتاج إلى دليل على صدق دعوته وأنه هو
المقبول عند الله يوم القيامة.
إن المخطوط الذي بين أيديا اليوم هو الكتاب الذي ينشرح صدر المسلم إذا
قرأه ويشحذ فكر الكافر إذا سمعه» إنه دعوة لإعادة النظر بما بجمله أصحاب العقائد
الضالة المشركة» ودعوة للرجوع إلى الفطرة الإنسانية السليمة؛ ونبذ العقائد البالية.
وإ الجهد الذي قام به صاحب هذا المخطوط والوقت الذي بذله وعصارة
الحقيقة ولسوا أمكنة الضلال ويؤر الانحراف والفساد ورجعوا إلى الباري تعاى
متمسكين بما فتح الله عليهم من الحق .
النعيم . كما ندعوالله أن يجعل خير أعمالنا خواتيمهاء ويوفقنا في حسن الأداء.
هذا وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وبابين:
الباب الأول: المؤلف والكتاب ويشتمل على خمسة فصول .
الفصل الأول: عصر المؤلف.
ب الحالة الدينية
ج الحالة الاجتماعية.
د الحالة الثقافية
الفصل الثاني : حياة المؤلف
جد اهتمام العلماء به
الفصل الرابع : دراسة ت
آٌ - منج الترجمان في تحفة الأريب
ب بين الترجمان والإمام ابن حزم .
ج- بعض الملاحظات حول الكتاب.
الفصل الخامس: وصف المخطوط ومنبج التحقيق.
- إثبات نسبة الكتاب للمؤلف.
- وصف النسخ المحفقة.
العمل في تحقيق الكتاب.
- الرموز المستعملة في التحقيق .
الباب الثاني: تحقيق نصٌ المخطوط.
هذا وإني أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل من أصحاب الفضيلة . الأساتذة
د. عبدالعزيز عبيد ود. عثمان عبدالمنعم عيش ود. محمود خفاجي لما أبدوه من
عمر وفيق الداعوق
الباب الأول
المؤلف والكتاب
الفصل الأول: عصر المؤلف.
الفصل الرابع : دراسة تحليلية لكتاب التحفة.
الفصل الخامس: وصف المخطوط ومنبج التحقيق.
الفصل الأول:
عصر المؤلف
أ- الحالة السياسية:
عاش المؤلف في تونس بعد إعلان إسلامه على يد الأمير أب العباس أحمد
الحفصي» وهو أحد أمراء الدولة الحفصية والتي تأسست في تونس على يد أبي زكرياء
يحي الحفصي بن أبي محمد بن أبي حفص النتاني. وقد تمكن من تأسيسها عندما كان
4 ه 1737 م9 وهناك آراء تقول بأن الحفصيين هم من نسل الخليفة الراشد
عمربن الخطاب رضي الله عنه").
وقد بلغ عدد أمراء الدولة الحفصية الذين تولوا الحكم أربعاً وعشرين أميراً
و (كان ابتداء ملكهم سنة ثلاث وستماثة وانقرض بانقراضهم سنة إحدى وثمانين
بداية حكمهم أن جميع الأراضي التونسية. وال قد خضعت لهم وكذلك بلاد
المغرب الأقصى وشاطبة» وإشبيلية» والمرية؛ وغرناطة من بلاد الاندلس9)
وفي هذه الأثناء حظيت الدولة الحفصية مدة استقلالها بجز وسلطان واتسا
ملك ونفوذ لم يشسنّ لكثير من الدول!*»
174 الدولة الحفصية؛ لأحمد بن عامرض 17ت (©) المؤنسء ص )١(
() المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس» لابن أبي دينار ص 4180 وخلاصة تاريخ تونس؛ لحسن
حسني عبدالوهاب ص ١73+
وقد ألمح الترجمان في التحفة إلى هذا الأمر أثناء الحديث من أعمال الأميرين
وفي عهد الدولة الحفصية وقعت عدة حوادث تاريخية كان لها أثر كبير على
القعدة نزل الإفرنسيس مدينة تونس بجموع وافرة فرساناً ورجالاً وكانت بينهم وبين
المسلمين حروب مات فيها خلق كثير من الفريقين» ومدة إقامتهم أربعة أشهر وعشرة
أيام 0 وقد قام بهذه الحملة لويس التاسع+؛ وكان غرضه إدخال تونس تحت سيطرة
أخيه صاحب جزيرة صقلية إذ ذاك (لتحرير سكانها) النصارى وقهر أهلها وكان قيامه
بها بتحريض وإغراء من أخيه المذكور وتشجيع من البابا وبعض ملوك أوروبا"»
: مهاجمة أبي الحسن المريني لتونس: انتهز (المريني) الفرصة فغزا الدولة
الحفصية وتمكن من احتلال العاصمة» ومن قتل الأمير أبي حفص عمر الثاني سنة
8 ه والذي تولى الحكم سنة 177لاه. ولكن إقامته لم تطل لأن السكان ثاروا
قيام الحملة الصليبية الثامنة. ففي سنة ثمان وستين وستمائة من ذي
ثالثاً: هاجم الصليبيون الإفرئج (من أهل جزيرة جنوة والبدقية) مدينة الهدية
وذلك في عهد الأمير أي العباس أحمد الأول حيث جاء الجنويون والفرة
قطعة ونازلوا المهدية وأقاموا عليها نحو شهرين وبعث إليها أبو اباس + اجا نكات
وفرنسيين» وأراد أهل جنوة الغدر بالفرنسيين ولكن لا قوة لهم؛ وتفرقوا شذر
15 المؤنسء ص 1*6 () المؤنسء ص )١(
(©) المصدر السابقء ص 51
(5 الحلل السندسية في الأخبار التونسية؛ ص 1١976
رابعاً: غزو الأسطول الحفصي جزيرة صقلية وقد كان ذلك في عهد الأمير أي
فارس عبدالعزيز الذي تولى الحكم سنة ست وتسعين وسبعمائة. وقد تحدث الترجان
عنهال'؟. حيث إنه كان يتولى منصب القائد البحري .
خامساً: نزول النصارى بجزيرة جربة سنة خمس وثلاثين وثمانماثة» إلا أنهم
ارتدوا خائبين في عهد الأمير أبي فارس نفسه".
عاصر المؤلف أحدائهاء ومن خلال العرض السريع الذي سبق بُلاحظ أن هذه الفترة
كانت مليئة بالأحداث الخطيرة. فالحروب والمعارك بين المسلمين والمسيحين أخذت
وقتاً طويلٌ في ظل تلك الدولة؛ شأنها شأن بقية الدول الإسلامية الني حكمت المغرب
وموقعها الحيري في المنطقة فقد أخذت مدينة تونس دوراً كبيراً في مجرى
الأحداث التاريخمية» فقد امتاز موقعها الجغرافي بالموانىء الحصينة» فكان لها أكبر الأثر
إيان الفتح الإسلامي الكبير للأندلس.
ب الحالة الد
وإلى جانب الصراع العسكري بين المسلمين وأعدائهم؛ كان هناك الصراع
وقد اتخذ هذا الصراع شك عنيفاً نظراً لما للأحداث الحربية من أثر بالغ في
أفراد الأمة.
ومن الطبيعي أن بهب العلماء للدفاع عن عقيدتهم كلا ازماد الخطر واشتدت
الأحقاب من التاريخ الإسلامي. خاصة خلال الحروب الصليبية؛ ومعظم تلك
بالرضا من قبل المسلمين وانتشرت بين أيدي الناس فكانت بمثابة الحصن انيع لردعغ
وقد اعتبرت هذه المؤلفات فيا بعد مراجع أساسية لأي بحث يتشاوله حلم
سلسلة العلوم التي برع فيها المسلمون.
والملخطوط موضوع البحث يعتبر حلقة في هذه السلسلة الطويلة من الكتب
الإسلامية التي آمن بها عن قناعة راسخة» وقضى في سبيلهاء بعد جهاد طويل بالقلم
والنفس» مستكملٌ ما بدأء علماؤنا الأفاضل من كشف للعقائد النصرانية.
ج الحالة الاجتماعية:
إن بعضاً مما كتبه الترجمان في التحفة يعطينا صوراً لانماط الحياة الاجتماعية في
تونس خلال القرن التاسع الهجري؛ واستكمالاً لما ذكره المؤلف نود أن نوجز بعض
الجوانب الأخرى عن الحالة الاجتماعية بان تلك الفترة.
لقد تحدثت المصادر المختلفة عن أحوال الدولة الحفصية؛ وأجمعت كلها على أن
والحروب التي عاشت البلاد في ظلهاء إل أن قوة الحكم دفعت الشعب للعمل
والعيش في أمان.
فمنذ أن استتب الحكم لأمراء الدولة الحفصية عم الرخاء أرجاء البلاد نورين ب
وقد كان الشعب يتألف في مجموعه (من البربر والعرب» الذين وحّد بينهم الدين
)١( راجع كتاب بين المسيحية والإسلام؛ تحقيق د. محمد شامة؛ وما كتبه في مقدمته متحدثاً عن
تلك الفترة الحاسمة من تاريخ الصراع الفكري بين المسلمين والنصارى.