المقدمة :
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؛ وأمره في كتابه العزيز
بالشورى » فقال : َي وشاورهم في الأمر » وجعلها من الصفات الأساسية للمؤمنين
حيث مدحهم بها في كتابه الكريم » فقال ف وأمرهم شورى يتهم 6 وصلئ الله على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد فهذا بحث موحز موضوعه الشورى وأهميتها في الإسلام ؛ وهو موضوع
مهم وشائق لأن متعلقة البحث عن الضلاح في المساعي الخاصة والعامة » وشائق لما فيه
من الفكر والاجتهاد طلباً للحق والصواب إذ تزاحم الأفكار يثمر الخير الكثير إذا قصاء
به ذلك والدار الآخرة » هذا وقد اشتمل هذا البحث على العناصر الأساسية التالية ؛
التمهيد : وتتاولت فيه التعريف اللغوي والاصطلاحي للشورى مع يان
ذلك بالكئاب والسنة والشعر وأقوال الحكماء +
الفصل الأول : وتحدثت فيه عن الشورى في الكتاب والسنة +
الفصل الثاني : في حكم الشورى ووحوب الأخذ بها » أو ندييته +
الخئمة : وفيها مزايا الشورى سياسياً واجتماعياً باختصار +
سبب الاختيار : والذي دفعي للكتابة في هذا الموضوع هو حبي لإيضاح حانب
وفصولاً ومقالات في كتب عديدة لا تخلو من فائدة ورأي سديد أو ابتكار لفكرة
طريفة اح لجانب معين غفل عنه الكتاب والمؤلفون الآخرون ؛ وقد حاولت
التغريف
الشورى لغة : المشورة بضم الشين ؛ ومنه شاورته في الأمر وا.
لشو ة بفتح اليم وضم المعحمة وسكون الواو» ويسكون للعجمة وفتح الواو
لفتان والأول أرحج 00
وشاوره في الأصر مشاورة » وشواراً : طلب رأيه فيه . وفي التنزيل العزيز +
ل وشاوره في الأمر » » واشتور القوم : شاور بعضهم بعضاً . واستشسار أسره ته
واستار +
والستشار: العليم الذي يؤخذ رأيه في أمر مهم علمي أوافي أو سياسي أو
تضائي أو نحوه . والمشورة ما ينصح به من رأي وغيره 9 .
فتعريف الشورى في اللغة يعطينا أنها تكون بين اثنين وجماعة وأنها تكون بالنصح
والرأي من يستشير ممن يصلح قبول نصحه ورأيه لعلسه وفكره ؛ ومكائشه وتجارية »
وأن الأمر يستبين صوابه من خطئه بالمشورة والمشاورة
والشورى في الاصظلاح : هي استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى
الأقرب للحق والأصوب 9 .
العزم والتبيين !"'
(1) الصحاح للحوهري - إسماعيل بن حماد الجرهري - دار العلم للملايين - يبوت ط 8 404 1ه
(©) العجم الرسيط - إبراهيم أتيس وأضحاية » 484/1 +
0 الإمامة التظمى عند أعل السنة والجماعة - عبد الله بن عمر سليسان الديجي - دار طيسة » الرياض
الشورق وأهمية الأخط بها
الإنسان بحبول بفطرته السليمة على حب صلاح المساعي وطلب النجاح في
الأمور » ولذا فإنه دائساً يفزع إلى الشورة وطلب المشاركة من أهل الخيرات
والتحارب إمعاناً في استقامة الحال وصلاح الشأن » ولذا لم تزل الشورى رائحة في
'أطوار التاريخ وحقبه المتالية إل يومنا هذا +
وانما يلهي الناس عن الشورى حب الاستبداد » وكراهة ماع ما يخالف المسوى +
وذلك من انحراف القطرة وميل الطبائع وليس من أصل الفطرة ؛ ولذلك بُهرع المستبة
إلى الشورى عند المضائق ؛ فهذا فرعون يشاور في شأن موسى عليه السلام كما قال
الله تعال حكاية عنسه : ف قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم . يريد أن يخرجكم
وهذه بلقيس تستشير قومها في أن سليمان عليه السلام قال الله تعالى حكاية
وهكذا حد أن الشورى فطرةً مغروسة في البشر ينهجها العادل طلباً للحق والصواب +
ويفزع إليها اللستبد طلباً للإسعاف والإتقاذ » وهذه آراء الحكماء والعظماء في فوائدها
والحث على التزامها والتحذير من الاستبداد رغبة عنها +
قال الحافظ ابن عبد الى : -
« الاستبداد مذموم عند جماعة الحكماء » والمشورة محمودة عند غاية العلماء » ولا
أعلم أحداً رضي الاستبداد وحمده إلا رحل واحد مفتون؛ مخادع لمن يطلب عنده لات
1٠١ - ٠١4 رام الأعرا
(©) تفسير التحرير والتتوير - محمد الطاهر عاشور - الدا التونسية للنشر 18488 م المسزء
فيوقب غرّته ؛ أو رحل فاتك يحاول حين الغفلة » ويرتصد الفرصة » وكلا الرحلين
فاسق مائق » 00
وما سغل الحسن عن قول النبي + لا تستضيئوا بسار المشركين» " قال :
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : شاور في أمرك من يفاف الله عز وحل .
وقال عبد الملك بن مروان : لأن أخطئ وقد اسشرت أحب إلي من أن أصيب
من غير مشورة ©.
وقال علي رضي الله عنه : « الاستشارة عين الهداية ؛ وقد خاطر من استغنى
برأيه ؛ والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم » 9
وقال الحسن البصري رحمه الله : ما نشاور قوم قط إلا هُدوا لأرشد أمورهم ©©.
وقال أكثم بن صيفي
: « المشاورة قبل المثاورة » » وقال : «ما هلك امرؤ عن
مشورة »
وقال القاضي أبو بكر بن العربي : « الشورى ألقة الجماعة ومسبار للعقول
وسبب إلى الصواب ؛ وما تشاور قوم قط إلا هُدوا» 009
() الصدر السابق » 184/8 ؛ رشعب المان لليهقي + باب في مباعدة الكفار واللفسدين + 117 0
(©) الصدر السابق 454/7
(8) زا المسير في علم التفسير - عبد الرحمن بن الجوزي » المكتب الإسلامي 884/1
(د) الجامع لأحكام القرآن - محسد بن أحمد الأتصاري القرطبي- دار إحياء النزاث - يروت +
]71-73 : وانظر الأدب المفرد - البخاري + عالم الكتب ص ٠٠١٠
(9) مجمع الأمثال ؛ لأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إيراعيم الليسابوري الميداقي + لمتوقى 18 ده +
تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد + دار القلم + 688/3
وم أحكام اران 1 / محدد
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة إن الخواني قوة للقوادم
وقد أحسن الآخر عيث يقول :
في الحقي المشكل .. واقبل تصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نيه في قوله « شاورهم » وتوكل
وما دانت الشورى بهذه المكانة من الأهمية والخطورة ومؤدية بإذن الله تعال
للحى والصواب حيث تتزاحم فيها العقول فيظهر صاحب الرأي الحصيف * والذكي
الأريب ؛ والمجرب اللبيب » فيعرف لكل مكانه » ويتزل منزاته ويكون الرئيس معذورا
إن م ينجح مسعاه فيعلم أن ذلك بحض قدر الله » وتكون الجماعة مؤتلفة ومتعاونة +
شاور صده
من استشار » 0
الأمانة ؛ والعلم والدينة » والتحارب » والبعسد عبن الغش والخيانة » قال 8 :
« المستشار مؤتمن » ©
(0) أخرحه الطواتي في الصغير الأوسط عن نس وضعقة 7لا والأرسط 41/1 » وقد حكم عليه الشيخ
اللاي بالوضع ؛ انظر: السلسل الضعيفة + حديث رقم 411 + 1 مكية العارف » الرياض
(©) أخرحه الأربعة عن أبي هريرة - وهو في سنن ابن ماحه » كتاب الأدب » باب الأستشار موثمن > عار
الفكر ؟/777١.
وقال المحقق ابن عطية.: « وصفة المستشار في الأحكام أن يكون عالاً ديناً ؛ وصفة
الستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلاًبجرباً واد في المستشير » والشورى بركة » 09
وينبغي لمن تتوفر فيه هذه الشروط والصفات أن يشير على الناس بالنصح والمودة
والذي جعلي أورد هذه النصوص المؤكدة على أهمية الاستشارة واختيار امستشار
الأمين هو أن رأيت كثياً من اناس الذين كتبوا في موضوع الشورى يشتغلون بإيراد
أدلة وحوبها ولزوم أخذ الحاكم بها ولم يعطوا جانب اخختيار المستشار الأسين اناصح
عناية كاملة ؛ وهو في نظري تقصير أو قصور ؛ فإن المستشارين في هذه الأيام قد
كثروا ولا يستغي عنهم حتى المستبد المطاع ؛ ذلك أن بحالات العمل وشؤون الحياة
قد اتسعت والفنون قد تشعبت ؛ والعلاقات قد تعددت » وكل يريد لنفسه الأصلح
وخامساً ني الشؤون الخاصة ومع ذلك « لا ترى طحناً »» والسبب أنه لا تتوفر فيهم
الله في مشورتهم له ؛ ونسوا أن ثم خيانة الستشار عظيم ؛ حيث يجعل الفش
والتزلف مكان الأمانة والمصارحة بالحق والنصح للأمة - فعن أبي هريرة رضي الله
ا ابن عطية - احور الوجيز اي تفسير الكتاب المزيز - البرحة ب لاه 14076 ها 41/1 - وو
عنه قال قال رسول الله يَ : « من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن
على من أفتاه » 099
الأمر مربوط بالنصح والمصارحة . فلايد من التصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة
المسلمين وعامتهم كما جاء في الحديث الصحيح الذي هو منطلق الشورى 9؟.
كانوا هم رضوان الله عليهم معه وفيما بينهم ؛ وكذلك كان علماء السلف الصالح
للأمانة . وسوف يأتي مزيد بيان لذلك أثناء الفصل الأول +
ا الأهب للفرد 616 وسنن اين ماجه للقدمة 1118
(» إشارة إل فديث الذي أخرحه البعاري في كناب لمان ؛ باب تول الني لل(« الدين اللضيحة» +
تح الباري » 1 / 1897 + ومسلم في كتاب الإيمان » باب بان أن الدين اللصيحة 108/١١
الفصل الأول
الشورى في الكتاب والسنة : -
يقول الله تعال في معرض المنّ على رسوله يه والأمر له : -
واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكين 0"
ويقول تعالى في تعداد سمات عباده المؤمنين » وصفاتهم الب امتازوا بها : -
ف والذين استجابوا ريهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى ينهم وما رزقناهم ينون 04".
قال سفيان بن عيينة في قوله تعال : ف وشاورهم في الأمر » هي للمؤمنين أن
يأنيه الوحي من السماء » لأنه أطيب لأنفسهم » وأن الوم إذا شاور بعضهم بعضاً
نا آل عمران الآية 0590
)لسري بردم
)( تفسير الططري ؛ جامع البيان عن تأريل أي القرآن ؛ لأبي حفر محمد بن جرير الطبوي ؛ حققه وغلق
حواشيه مود محمد شاكر » راجعة وخرج أحاديثه أسد محسد شاكر » ط » دار العارف عصر +
للصدر السابق 244 - فوم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه مسن النبي
يا » 0 قال الحسن : « وقد علم الله أنه ما به إليهم حاحة ولكن"
خالفها » 9
إذاً فما على الرسول الكريم ف إلا أن يستشير في الأمر النازل ويستمع للآراء
وينظر في أقربها للمصلحة والصواب فيتوكل على الله ويتفذ ما عزم الله له » وليس
لأحد بعد ذلك أن يعترض أو يشير أو يقول لماذا لا تأخذ برأبي ؛ أو لماذا تركت رأي
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب قول الله تعسال م وأمرهم شورى ينهم 6 +
فل وشاورهم في الأمر » وأن المشاورة قبل العزم والتبين لقوله تعال: ف( فإذا عزنت
ترك على الله 4 فإذا عزم الرسول ل يكن لبشر التقدم على الله ورسوله » 9
قال في الفتح : « يريد أنه ف بعد المشورة إذا عزم على فعل أمر مما وقعت عليه
ا سنن الزمتي ؛ تاب الفهاد » باب ما جاء في اللشورة ؛ 4 / 318 + تحقيق : أحمد شاكر وآخريسن +
دار إحياء ناث العربي » بوت
)ع قري 011+
الطري 9/حة*
(0) .البشاري - كناب الاعتضام بالكتاب والسئة ؛ لباب 64 الفتع 4/17 0<
0) الصدر لايق 41/13