وقوله تعالى : # إن الّذْ
وإذا كانت معدلات الجرائم قد زادت فى العالم بسبب تفنن المجرمين فى
وسائلهم واختراعهم لأساليب وطرق يصعب على وسائل الأمن كشفها والقبض
على المجرمين المفسدين فى الأرض ؛ فإن علاجها لا يكون
وترك بعضه ؛ ولا يكون للدولة عون من الله ولا سداد وهيبة ولا وقار فى نفوس
وتفخر به . أما الأخذ ببعض وترك بعض فلا يقضى على الجزائم وظهورها ٠
وإن جرائم الإلحاد والحكم بغير شرع الله فى الدماء والأعراض والأموال أعظم
وأخطر بكثير من الأخطار التى تنجم عن عدوان أفراد على مال أو نفس ؛ لأن
فكيف يطلب المسلم علاج مشاكله التى تعددت وكادت أن تستعصي وهو
لا يؤمن بالكتاب كله ؟ ويعلم أن نصوص القرآن توجب الحكم بما أنزل اللله وتحرم
الحكم بغير ما أنزل الله . قال تعالى : « وَمَن لم يَحْكُم بِمَا أنزل الله
وهذه الصفات الثلاث وإن كانت تختلف صفتها باختلاف قصد السُلطة
المشرّعة والمنقذة فى الإيمان والجحود . فإن اللقظ عام . فكل من يُحدث من
أخذ ببعض الكتاب
)١( النساء )١( ف١ - 18١: المائدة
(©) المائدة : 8 () المائدة :
منكراً لعدالة الحكم الذى أنزل الله يصدق عليه ما وصفه به الله تعالى من الكفر
والظلم والفسق ؛ كل بحسب حاله ؛ سواء فى ذلك حد السرقة أو القذف أو الزنا +
ومن لم يحكم به لعلة أخرى غير الجحود والنكران فهو ظالم فى حكمه مضيّع
لحقوق البّشر مجانب للعدل وذلك من أعظم الكبائر .
والمسلمون الغيورون على إسلامهم يحز فى نفوسهم أن يروا واقع أمتهم
يستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير . فيتركون الحكم بكتاب الله وَسّْة
رسوله له ؛ ويأخذون بالقوانين الوضعية رغم وجود إمكانات العزة وأسباب
القوة بين يديها ٠ لو أنها أحسنت صنعاً وعملت صالحاً وطبقت أحكام الإسلام
وعاقبت بعقوباته - كما تفعل المملكة العربية السعودية - لوجدت ثمار ذلك .
والمملكة هى القدوة الصالحة والمثل الأعلى للشعوب الإسلامية فى التزامها
بأحكام الدين الإسلامى وتشريعاته القولية منها والفعلية ؛ حيث طبقت أحكام
الإسلام فى كل شؤونها ؛ فى مجال الحكم والجزاء وفى مجال الأخلاق والتقاليد
وفى مجال الدراسة والتعليم , بل فى كل مجالات الحياة العلمية والعملية
فقضت على الجرائم ونعمت بالأمن والهدوء وسادها السلام والرخاء .
وسيجد القارئ والباحث عن العلاج النافع للجريمة فى هذا البحث ما يفيده إن
شاء الله تعالى , ويمنحه الدواء القاضى على الجريمة . وسوف يعرف من خلال
مطالعته لهذا البحث مزايا الشريعة الإسلامية ٠ وفوائد العقوبات الشرعية +
وكيف عامل الإسلام المسلمين فى العقوبات التى شرعها . ووجه المنفعة فى
تطبيق تلك العقوبات وما سيجنيه المسلمون دنيا وآخرة من تنفيذ تلك الأنظمة
وسيقف عن كشب على الوسائل التى أوجدها الدين الإسلامى لمنع الجريمة +
والسُل التى اتخذها للقضاء على ظاهرة الإجرام فى المجتمع الإسلامى .
عسى ولعل أن يكون ذلك حافزاً للدول الإسلامية وشعويها فتأخذ بأحكام
الإسلام وعقوباته الجزائية فتسترد وجودها وهيبتها فى ظل الشريعة الخالدة
والأحكام الربانية ٠
وقد بنيتُ هذا البحث على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة مفصلة على النحو
المقدمة فى : تعريف الشريعة - والجريمة . وأقسام الجرائم ٠
الفصل الأول : فى النتائج السيئة للجريمة ويشتمل على مبحثين :
المبحث الأول : فى المضار الدينية والاجتماعية والخلقية .
المبحث الثانى : فى المضار السياسية والاقتصادية والصحية +
الفصل الثانى : فى طرق مكافحة الجريمة التى سلكتها الشريعة الإسلامية
المبحث الأول : فى وسائل الإصلاح والتهذيب ٠
المبحث الثانى : فى العقوبة .
الفصل الثالث : فى مميزات النظام الجزائى فى الإسلام ٠
الخاتمة - وتتضمن : نماذج من صدر الإسلام ٠ ثم دعوة التجديد والإصلاح فى
عهد الإمام محمد بن سعود ؛ ثم الدعوة الإسلامية فى عهد الملك عبد العزيز
الجريمة ويحقق الأمن والاستقرار ٠
ويجدر بنا هنا أن نوضع للقارئ بعض المصطلحات التى سيمر عليها أثناء
قراءته البحث :
١ - لفظ الحديث النبوى الذى يُذكر فى المتن أعتمد فيه لفظ المرجع الذى
أجعله فى مقدمة المراجع مثل : رواه الترمذى فى سننه ... وأبو داود فى
عليه الشيخان ؛ فم يُقدُ ذكره منهما ؛ يكون لفظ الحديث الملبت هو ما
جاء فى صحيحه .
وتسهيلاً للمراجعة ذكرت اسم الكتاب واسم الباب ثم الجزء والصفحة وأضع
بين قوسين رقم الحديث فى ذلك المصدر . هكذا :
رواه أبو داود فى سننه - كتاب الأشربة - باب « النهى عن المسكر » :
+1 (183) ؛ ثم أطلع على ما قاله العلماء فى الحديث من الصحة أو
الضعف ؛ وأثبت النتيجة باختصار ؛ إلا إذا كان الحديث فى الصحيحين أو فى
؟ - إذا كان المصدر المأخوذ منه المعلومات له مشابه فى اسمه ؛ فإننى أذكر
انب اسمه اسم المؤلف وإلا اكتفيت باسم الكتاب .
© - ما يُذكر له مرجع فى الهامش قد لا يكون منقولاً بالنص فى ذلك المرجع
فقد أُقدّم وأؤخر وأزيد وأحذف وأعدل فى الأسلوب حسب ما يقتضيه المقام ولمَا
أرى فيه تسهيل العبارة وتوضيح المعنى دون غموض .
وفى الختام .. أسأل الله العلى القدير أن يكون هذ العمل خالصاً لوجهه الكريم +
والإنسان مُعرض للخطأ والتقصير ؛ فأرجو ممن يرى فيه نقصا أن يعذر »
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين -
المؤلف
مقدمة
تعريف الشريعة - والجريمة . وأقسام الجرييمة
أولا - تعريف الشريعة
(1 ) في اللغة :
وردت كلمة « شريعة » فى اللغة لعدة معان :
منها الموضع الذى ينحدر منه الماء . ومنها مشرعة الماء - وهى مورد الشارية
التى يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون بدون رشاء .
يقال : شرع إبله وشرعها : أى أوردها شريعة الماء فشريت ولم يستق لها +
وفى الحديث : « فكان أول طالع علينا رسول الله جه فقال : أتأذنان ؟
قلنا : نعم يا رسول الله .. فأشرع ناقته فشريت » 0١١ .
وفى المثل : « أهون السقى التشريع » +
والشريعة : موضع على شاطئ البحر تشرع فيه الدواب "١ .
( ب ) الشريعة فى الاصطلاج :
هى الانتماء بالتزام العبودية . وقيل : هى الطريق فى الدين "١ .
)١( حديث رواه مسلم فى صحيحه بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت - كتاب
الزهد والرقاق - باب حديث جابر الطويل : 7306/6 (74) -
(3) التعريفات للجرجائى ص ١77
قال قتادة : الشريعة الأمر والنهى والحدود والفرائض "١
وقال الراغب : الشرع مصدر ؛ ثم جعل اسماً للطريق النَّهج فقيل له : شرع
وشَرَعٍ وشريعة ؛ واستعير ذلك للطريقة الإلهية +
وقال بعضهم !"! : سميت الشريعة تشبيهاً بشريعة الماء من حيث أن من شرع
الحكماء : كنت أشرب فلا أروى . فلما عرفت الله تعالى رويت بلا ث
وبالتطهر ما قال تعالى : « إِنَمَا يُِيدُ اللَهُ ليُذَهبَ عَنَكُمْ الرجْسَ
فالشريعة هى ما سنٌ الله من الدين وأمر به كالصلاة والزكاة والصوم والحج
وسائر أعمال الخير والير ٠ أو أمر باجتنابه والابتعاد عنه كالقتل والزنا وشرب
الخمر والقذف والسرقة وسائر المعاصى .
ثانيا - تعريف الجريمة
(1 ) فى اللغة :
شم از مق مرو ؛ بمعنى كسب وقطع . يقال :
711/9 : الجاثية :18 () الجامع لأحكام القرآن )١
+٠ : كابن منظور + (+) الأحزاب )٠(
0/17 : المفردات فى غريب القرآن ص 188 (7) لسان العرب )(
() المائدة :8
أو هى مشتقة من « جرم » بمعنى ذنب . يقال : لفاعله مُجْم ٠ وللفعل :
جريمة 09١ .
ورد فى الحديث : « إن أعظم المسلمين جُرماً من سأل عن شئ لم يُحرم فَحْر
من أجل مسألته م (6ا ,
فتنتهى الجريمة فى معناها اللغوى إلى أنها فعل الأمر الذى يُستهجن
ولا يُستحسن ؛ وأن المجرم هو الذى يقع فى أمر غير مستحسن مصراً عليه
( ب ) والجرييمة فى الاصطلاج :
هى فعل محظورات بالشرع زجر الله تعالى عنها بحد (7) أو تعزير 7١
47/17 : جامع البيان عن تأويل آى القرآن : 484/45 (©) لسان العرب )١(
(4) حديث رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما يسنديهما عن سعد بن أبى وقاص رضى الله
عند عن النبى له . صحيح البخارى - كتاب الاعتصام - باب « ما يُكره من كثرة السؤال
وتكلف ما لا يعنيه » : 0/9 . صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب « توقيره صلى الله عليه
وسلم وترك إكشار سؤاله » : 1801/6 (197) - () الجريمة لأبى زهرة ص 7406079
() الحد ة وجبت على كل من ارتكب ما يوجبها ؛ فإن الشارع قدرها فلا يُراد
انظر : حاشية الباجورى على شرح ابن قاسم : 378/7
هذا التقدير لهذه العقوبة ثبت بالنص القرآنى أو الس النبوية فى الجرائم التى فيها اعتداء على
حن الله تعالى .
التعزير : هو تأديب إصلاح وزجر على ذنوب لم بشرع فيها حدود ولا كرات . انظر تبصرة
الحكام : 47/1
أوضع هو العقوبات التى لم يرد نص من الشارع ببيان مقدارها ؛ وترك تقديرها لولى
الأمر أو القاضى المجتهد .
انظر : العقوية لأبى زهرة ص 8 . التعزير لعيد العزيز عامر ص 8+
(ا) الأحكام السلطانية لأبى يعلى الفراء ص 787
والمحظورات تشمل ارتكاب ما نهى عنه الشارع أو أمر باجتتابه ؛ أو ترك
ما أمر به الشرع أمر وجوب .
فالجريمة إذا نوع من المعاصى نهى الشرع عن فعلها , ورتب على فاعليها
عقوبة دنيوية ينفذها القضاء الشرعى . وعليه فلا يُعتبر الفعل أو الترك جريمة
ثالثا - أقسام الجرائم
قسم علماء الشريعة الجرائم إلى أقسام عدة تختلف بحسب عقوباتها ونوعها
وكيفية ارتكاب الجانى لها وقصده من ذلك ١١ ؛ ولعل ألصق هذه التقسيمات
بالبحث هو تقسيم الجرائم بحسب عقوباتها . وسوف نستعرض له إن شاء الله
تعالى بشئ من التفصيل يظهر منه محات من التقسيمات الأخرى +
© أقسام الجرائم من حيث جسامة العقوبة المقررة لها :
هذا التقسيم بُنِي على مقدار العقوبة قوة وضعفاً ؛ والعقوبة مبنية على قوة
الاعتداء فى الجريمة وضعفه .
فكلما قويت الجريمة كان مقدار العقاب أكثر ونوعه أقوى ؛ وكلما ضعفت كان
نوع العقاب أخف ومقداره أقل +
وهى على هذا الأساس ثلاثة أقسام "١ :
)١( للاطلاع على أقسام الجرائم الأخرى انظر الجرية لأبى زهرة ص 64 وما بعدها ؛ والتشريع
(7) الأحكام السلطانية للماوردى ص 771 71٠١ 110 ؛ فتح القدير : 717/8
القسم الأول - جرائم الحدود :
وهى الجرائم التى فيها اعتداء على حق الله تعالى ولها عقوبة مقدرة من
الشارع '١( وجرائم الحدود مقيّدة العدد وهى سبع :
الأولى - الزنا : وهو : فعل الفاحشة فى قبل أو در "١ - على خلاف -
فى اللواط ("' ؛ وهو بالنسبة للمرأة أن تمكن الرجل من مثل هذا الفعل +
ترق الشريعة الإسلامية فى حد الزنا بين الزانى المحصن - المتزوج -
وغير المحصن - البكر - فإذا كان الزانى بكرا حرا فحده جلد ماثة وتغريب
عام )*١ قال تعالى : « الرأنيَةُ والزأنى فَاجْلدُوا كُلْ واحدٍ مُنْهُنَا مائَةٌ
جلي ف ّ بن ا 9 7
وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى خبر العسيف ١! قال صلى الله
عليه وسلم : « على ابنك جلد ماثة وتغريب عام » (") ؛ وإذا كان رقيقاً فنصف
١7 تقدم تعريف الحد . انظر ص )١(
17/6 : كشاف القناع : 84/7 ؛ حاشية الدسوقى )١(
8 ؛ التعزير لعبد العزيز عامر ص ٠
(©) الحكم بالتغريب مع الجلد هو قول الشافعية والحنابلة وهر شامل للرجل والمرأة ٠ وقصر
المالكبة التغريب على الرجل فقط - أما الحنفية فلا يرون التغريب من الحد ؛ وإن فعله الإمام فهو
انظر أسنى المطالب شرح روض الطالب : ١34/8 ؛ غاية المنتهى : 18/7 ؛ الشرح الكبير
للدردير : 311/6 ١ 217 ؛ فتع القدير : 8078©
() النور : ؟ )١( العسيف : أى الأجير
)١( رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما بسنديهما عن أبى هريرة رضى الله عنه . صحيح
البخارى - كتاب الشروط - باب « الشروط التى لا تحل فى الحدود » : 189/7
صحيح مسلم - كتاب الحدود - باب « من اعترف على نفسه بالزنا » : 1178/7 (18) .