الفصل الأول
القاعدة العامة
وتعالى أن الإسلام دين لجميع المخلوقات المكلفة؛ إذ لم يقل "للمسلمين". وتوكد
الآية أن محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع المخلوقات يرشدهم إلى الفلاح في
الدنيا والآخرة. ولكن هل الإسلام رحمة لمن بختاره فقط أو لابد أن نكره
المخلوقات المكلفة عليه؟
إن من يراجع الكتاب والسنة يجد أن هناك قواعد عامة يمكن التعرف عليها؛
سوف تناقشها في المباحث التالية: الإسلام دين يدعو إلى السلام» المنهج في الدعوة
إلى الإسلام» الإسلام لا يعن الاستسلام؛ حكم الرق في الإسلام» عداوة الكافرين
ولعنهم؛ خلاصة القاعدة العامة؛ القائلون بنسخ القاعدة العامة؛ تساؤلات حول
الحجة الرئيسة؛ المخرج من هذه التساؤلات؛ الأدلة الأخرى للمعارضين؛ الجهاد
الضمان حرية الدعوة؛ المحلوقات المكلفة بالنسبة للإسلام.
الإسلام دين يدعو إلى السلام:
هذه الآية الثامنة من سورة الممتحنة توكد بوضوح بأن الله سبحانه وتعالى لا
(ا) الأنبياء؛ 7١٠؛ وانظر تعليق ابن تيمية على هذه الآية بججموع ج11 ٠01-706
إذ يدخل فيه الإحسان() الذي قد يكون الابتداء بالخير أو مقابلة الخير بأفضل منه.
وقد يقول قائل: هل يجوز للمسلمين بدء غير الممسلمين بالخير؟ فيقال له: ليس
المسلم مطالب بدعوة جميع المخلوقات المكلفة إلى الإسلام» ابتداء؟ وهل هناك خير
يقدمه المسلم لغير المسلم أعظم من هذا؟ ولم تقيد هذه الآية هذا النوع من المعاملة
بحالة الدعوة؛ وذلك لأن المسلم ينبغي أن يكون دائما في حالة دعوة لغير السلمين
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولم تقيد الآية هذا النوع من التعامل بحالة اتقاء
تؤكد الآية الي تليها مباشرة -مرة أخرى- بأن النهي عن التولي محصور في
فالمساهمة في الاضطهاد لا تختلف عن القيام بالاضطهاد.
عن اتخاذ أعداء الله أولياء» أو الي تحث المسلمين على التبرؤ من أعداء الله كما
وكما نلاحظ» فإن الآية الثانية من السورة لم تترك صفة "عدوي وعد ركم"
مبهمة إذ بينت المقصود بالعداوة بقوله تعالل: ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء
وييسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون. ) فالأعداء الذين تحيم
() أنظر مثلا: الطيري الذي يذكر بأن سيب الزول كتاب ابن أبي بلنعة إلى المشركين في مكة بنية الرسول
صلى الله عليهم وسلم في قتح مكة. ويؤكد أن الآية غير منسوخة مستدلا بقصة أسماء الي قدمت عليها
مها المدينة وهي كافرة فاذن لما التي بإكرامها.
باللسان؛ أو على الأقل يودون أن يكفر المسلمون مع استعدادهم لعمل أي شيء
يحقق ذلك.(*)
وتأتي الآية السابعة لتقدم للآية الثامئة والتاسعة حيث تنبه إلى أن هذه العداوة
الي بدت مستحكمة وتتطلب البراءة من المتصفين بهاء قد لا تكون أبدية. فقد من
الله على أعداء الإسلام بالهداية فيكونوا مع المسلمين بدلا من أن يكونوا عليهم؛ فلا
تكون العداوة لهم مطلقة ولكن مقيدة مما يصدر عنهم وذلك بقوله تعالل: [عسى
الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم).(0)
وبلاحظ أن الآية لم تقيد المودة بالإيمان فقد يكون بانقلاب موقفهم من العداوة إل
ولا غرابة في أن تكون هذه هي القاعدة العامة في العلاقة بين المسلمين وغير
تماما من حيث التأكيد على أن هذه هي القاعدة العامة في العلاقة بين المسلمين
وغير المسلمين ابتداء. وبهذا توكد هاتان الآياتان أن الإسلام دين سلامء أو أن
مبدؤه -في الأصل- هو السلم» وليس الحرب. والأصل أن الإسلام يهدف إلى
تحقيق السلام للمخلوقات المكلفة في الدارين: الدنيا والآخرة معا. ولكن إذا
رفض بعض المخلوقات المكلفة التعاون لتحقيق هذا السلام الشامل فإن الإسلام
جاهز أيضا للتعاون على تحقيق السلام على مستوى الحياة الدنيا فقط مع هذه
الفئة. فتعاليمه تحث المسلمين على التعاون مع الجميع لتحقيق هذا السلام
(*) وانظر الفصل الا
(؟) انظر تعليق ابن تيميا
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفواء إن أكرمكم عند الله أتقاكم)() فالإسلام لم
يات ليفرق بين الناس وليزرع بينهم البغضاء والعداوة» أو ليشجع على سفك
الدماء» أو ليقطع الروابط الإنسانية أو أواصر القرابة والرحم. ولم يات ليقضي على
حرية الاختيار الي منحها الله للمخلوقات المكلفة» وعلى رأسها حرية الاختيار بين
الجنة والنار» أثناء فترة الامتحان (الحياة الدنيا). فقد منح الله جل جلاله إيليس
اللعين الفرصة ليختار بين طاعته ومعصيته فاختار إبليس العصيان بمشسيئة ريه
الكونية؛ ثم ضمن الله له المهلة لإغواء المخلوقات المكلفة أثناء فترة الامتحان هذه.
الدارين ولا سيما في الحياة الأبدية. فالإسلام يوجب على المسلمين مشاركة
الآخرين في هذا الخير» انطلاقا من ميدأ الأخوة الإنسانية أو الأخوة في الانتماء إل
المخلوقات المكلفة. ولهذا وضع الإسلام الضوابط الواضحة لأسلوب الدعرة إلى
طريق الفلاح.
المنهم في الدعوة إلى الإسلام:
يؤكد القرآن الكريم بأنه لا إكراه في الدين أو على الهدى؛ إذ يقول تعال: لا
إكراه في الدين؛ قد تبين الرشد من الغي...99)
وكان منطلق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس هو شعور المغخلص
المشفق عليهم والمحب للخير لهم. فقد ورد في صحيح مسلم أنه "لما نزلت (وأنذر
عشيرتك الأقربين) قال انطلق ني الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جيل
كمثل رجل رأى العدو فانطلق يرب أهله؛ فحشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا
وقد يقول قائل: إنما هذا شعور خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه
عشيرته الكافرة فيقع في توجيه تممة عظيمة لرسول الله البعوث رحمة للعالمين.
والحق؛ إن هذا هو شعور رسول الله تاه كل من أمره الله بدعوته من الحن
والإنس. وهذه سنة الأنبياء الذين سبقوه صلوات الله عليهم وسلامه. فقد كان
الأنبياء من قبله يستعطفون أقوامهم أن يهتدواز١٠) وكانوا يذلون كل ماهر
مشروع بذله أملا في هداية أقوامهم. وهذه الصفة واضحة في قصص لأنبياء
كما هي واضحة في سيرة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين. لهذا فإن شعور الممسلم
تجاه غير المسلمين ابتداء ينبغي أن لا يخرج على مشاعر أنبياء الله وشعور حاتم
الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا تجاه للدعوين وهو الرحمة والإشفاق وحب الخير لهم.
ومؤكدا مبدأ عدم الإكراه على الدين؛ يقول سبحانه وتعالى؛ مخاطبا نبيه الكرم:
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاء أفانت تكره الناس حق يكونوا
مؤمنين)(١) والآيات الي تبين أن الله أرسل محمدا مبلغا ومبشرا ونذيرا » ولمس
مكرها للناس على الحق كثيرة.(17) وقد يعاتب الله رسوله إذا قلق أكثر مما يني
لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) .(1) وقد يعاتبه ربه إذا أبدى حرصا شديدا وتألم
لعدم إمان عمه أبي طالب الذي دافع عنه وبالتالي عن الإسلام؛ كما في قوله تعلل:
(إنك لا تهدي من أحبيت ولكن الله يهدي من يشاء) )٠١(. وقد يقال: إن الرسول
(") مسلم: الإيمان وأنذر عشيرتك.
القول ويعترف بأن سبب نزول الآية -بصفة خاصة- هو تمه لعدم إسلام عمه
كان يحب الهداية لكل المخلوقات المكلفة. ولكن لعمه مكانة خاصة؛ فقد كقله
الحب فإنما يفعل ذلك في حدود ما يأمر الله به ويأذن من الوفاء ومن صلة الأرحام.
والآيات الي توكد أن مهمة الرسول تنحصر في البلاغ كثيرة؛ منها قوله تعال:
ولهذا يحث القرآن الكريم على الدعوة إلى الإسلام بالرفق؛ في آيات كثيرة؛ منها
قوله تعالل: [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادهم بالي هي
علم اليقين أن فرعون لن يهتدي فإنه يأمر موسى وهارون عليهما السلام باستعمال
كما يأمر بالصبر وضبط النفس في قوله تعالى: ( واصبر على ما يقولون واهجرهم
تجادلوا أهل الكتاب إلا بال هي أحسن)(:) ويقول تعال أيضا: [ادفع بال هي
ولهذا كان من الطبيعي أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لثقيف بالهداية رغم
وحده؛ لا يشرك به شيئا".(4") وعندما أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الراية
لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة خبير وقال علي: يا رسول الله؛ أقاتلهم
حي يكونوا مثلنا؟ قال له صلى الله عليه وسلم : "انفذ على رسلك حق تل
لإن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم."(*") هذاء
مع أن كيد يهود خيير للمسلمين ومحاربتهم للإسلام معروفة.
(؟) ابن هشام ج4: 8
(*؟) البخاري: فضائل الصحابة؛ مناقب على.
الإسلام ودعا عليهم» ذكره الله بأنه ليس له إلا أن يبلغ الرسالة وذلك في قوله
في السموات وما في الأرض يغفر لمن بشاء ويعذب من يشاء والله غفور
الدعوة ليس عليه أكثر من أن يهدي نفسه.
مكة وقد أسلموا أمرهم إليه بعد أن نصره الله عليهم: "لا تثريب عليكم اليوم.
عددا محدودا كانوا قد بالغوا في العداوة والكيد للإسلام والنكاية بالمسلمين»
الله عليه وسلم عن المسلم منهم والكافر حى أسلموا جميعا من تلقاء أنفسهم".(9)
وعفوه عن هوازن ورده سباياهم عليهم يتطلق أيضا من القاعدة نفسها.(”)
فالمنهج الإسلامي في الدعوة إلى الإسلام هو البدء في عرض الإسلام بلطف
يسمح حتى باستخدام الاستعطاف, ثم الحوار إن لزم الأمر بلين ونفس طويل
يتصف بالتسامح, ثم محاولة إيقاف الحوار الذي أصبح مناظرة بإعلان "لكم دييكم
ولي دين". فالمناظرة هي بداية مرحلة التحدي وغالبا ما تؤدي إلى التحدي
والمكابرة في نماية المطاف. فالمناظرة تمدف بالدرجة الأول إلى دحض حجج المغالط
("؟) آل عمران: 1178 وانظر البخاري: التفسير ليس للك.
(*؟) العسقلاني جلا: 141 لحديث مرسل أورده في تعليقه؛ ابن هشام ج4: 44-48
وتثبيت المؤمن وإيقاظ المتردد من غفوته...
وعلى المسلم أن يوازن بين اللطف في الدعوة الذي يتسق مع الرحمة الي يدعوا
إليهاء وبين إظهار الإسلام بمظهر العزة اللائقة به. ويتم ذلك أولا برص المسلم
على تطبيق التعاليم الإسلامية وأداء واجباته علنا وباعتزاز مقرون بالامتنان لله الذي
هداه؛ وبالإشفاق على من حرم نفسه منهاء وليس باعتزاز مقرون بالتكبر والعجرفة
على المحرومين من نعمة الإسلام. وقبل أن يلوم المسلم الكافرين على كفرهم وينظر
إليهم بصغار يجب أن يلوم نفسه ويؤنبها على التقصير في حق الدعوة؛ وعدم تبليغ
الإسلام بالصورة المناسبة والوسيلة المناسبة.
واحدا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بنفسه أو أرسل سرية لشن
غارة مثل غارات الجاهلية ابتداء على أحد. بل تصرح معظم الروايات حول تلك
الغزوات والسرايا بأن السبب هو دفاع أو تأديب على اعتداء سابق. وعموما
تتحصر أسباب الغزوات في الأصناف التالية:('؟)
؟ - رد على اعتداء سابق» كما هو الحال بالنسبة لكل الغزوات والسرايا الي كان
هدفها فريش وقوافلها التجارية؛ وعلى رأسها غزوة بدر.
© - مطاردة لأعداء شنوا غارة على المدينة مغل غزوة السويق؛ وغزوة ذي قرد.
؛ - مباغتة أعداء يحشدون الجموع لمهاجمة المسلمين» مثل غزوة بي المصطلق؛
ه - عقوبة على خيانة العهد والتآمر مع الأعداء أو التحريض على محاربة المسلمين
مثل غزوة بي النضير وغزوة بي قريظة وفتح مكة المكرمة.
(ا؟) انظر اين هشام» وابن القيه: زاد للعاد ج3.