شرح مشكلات الفتوحات للجيلى
الوصف
يقدم لنا الكتاب نَصَّا مُحقَّقاً للجيلى (عبد الكريم الجيلى ، المتوفى 826 هجرية)
يشرح فيه باب الأسرار من كتاب الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى (المتوفى 638 هجرية) وهذا الجزء من الفتوحات (باب الأسرار رقم 559) يعد آيةً من آيات البيان الصوفى الرَّائع ، وهو يبلغ من النضج التعبيرى درجةً لايكاد يلحق بها نَصٌّ صوفىٌّ آخر .
وقد تركزت فى هذا الباب خصائص كتابات ابن عربى على نحو لامثيل له . وقد اقتصر الجيلى فى شرحه على الأبواب العشرة الأولى من باب الأسرار .. ربما لأنه وجد ذلك كافياً للحديث عن روح أفكار ابن عربى ، ونظرياته .
وقال : اجعل أساس أمرك كله على الإيمان والتقوى» حتى تبين لك
- وغيره وقد أكد أتمة الصوفية على أنه لايجوز إلا للكمل من أهل الطريق الصوفى ١ ولا يجوز
إطلاقاً للمبتدئ وعوام الخلق
)١( المراد ببيان الأمور هنا ؛ إدراك ما يحتحب عطف آيسات الشريعة الظاهرة من معان وحقائق
ربانية
(؟) يقصد : ما يدعوك الله إليه
(؟) يريد الشيخ الأكبر بالتلكو هنا ؛ ما يكون من التكاسل فى الأحذ يقروض الله والتفرسط فى
الستن التبوية » ومتابعة النقس فى ركوب الرحص ء وطلب الراحات وغير ذلك بما يقعد
بالهمة عن تحصيل السعادة فى الدارين وقد يكون التلكو هو تعسف التأول الذى لم يرق
مقامه لمرتبة التأويل
(ه) فى الأصل حاءت الكلمة بلفظ الحنان واعتيرنا سقوط النقطة عند طبع الفتوحات نصححناها
إذا كانت الحنان فالمراد أن من يعيش فى الدنيا عيشة ناعمة فهو غير مأمون عليه من
الخشونة فى الآخرة وبالعكس والأصل فى هذا المعنى » ما ورد قى الحديث من أن :اش
الناس ابعلاءً الانبياء ؛ ثم الأعقل الأمفل
فى ذلك ؛ الحديث الشريف : الدنيا سجن ا مؤمن وجنة الكافر
التخييرٌ حيرةٌ » فإنه يطلب الأرجح أو الأيسر ؛ ولا يُعرف ذلك إلا بالدليل
ففدية من صيام أو صدقةٍ أو نُك ؛ فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط
ما تطعمون أهليكم؛ أو كسوتهم » أو تحرير رقبة؟
الحيرة عن التخيير » إلا بالأخذ بالمتقدّم تلا رسول الله 4# حين أراد السعى فى
15 الآية : لما كان لى علم يالملاً الأعلى إد يختصمون سورة ص » آية )١(
سورة المائدة ء آية حم )(
١١7 سورة البقرة » آية )©(
يدا الله به وصطّحه ابن حزم (انظر ؛ السيوطى : جمع الجوامع برقم 44/77 ٠١٠/19
(ه) يتخذ الصوفية من هذا المبداً وسيلةٌ للاختيار » قهم على سبيل المثال يجعذون الاسم !لله أعلى
ومنهم مَنْ يجعل لاسم ا لله الهيمتة على جميع الأسماء ؛ ويعنَه : الاسم الأعظم
رؤوسهم » فقال له بعضهم ما معناه أنه يمعكن الاكتفاء بالتقصير فتلا عليهم قوله تعال
«لتدخلن الملسحد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رعوسكم ومقصرين الفتح ء آية لال
ومن ذلك؛ مزل الأقدام فى بعض أحكام العقول والأحلام من الباب
طريق النغظر!"
- بحيث يعتى : اتباع الفطرة 1 فقد فُطَر ا لله الشاس أولاً على التوحيد » ثم جعل لحم الحواس
والعقل فإذا تابعتا ميداً الشيخ الأكبر » فإن الأخذ بالتوحيد - الذى بدا الله به حين قطر
الناس -يصير أولى من اتباع ما سوى ذلك من تقيلات الحس وتصورات العقل ولا يقدح فى
ذلك » ما ورد من أنه أول ما خلق ١ لله العقل إ لخ لأن لفظ أول هنا تعلى : حين لق الله
العقل إخ أ
؟١ سورة الأحزاب آية )١(
() يرى الشيخ الأكير - وغيره من كبار الصوفية -- أن العبادة الححقة لله لاتتتى من النظر العقلى»
وإتما من الإيمان بالشريعة وهذا ما يجعلنا نتوقف عند تظرة الصوفية للعقل وهى نطرة خاصسة
تتلخص فى الآتى :
إن أول مقامات العقل عند الصوفية » هو عقل الفطرة الذى يخرج به الصبى والرحل من
صفة الجئونء فهو الذى ييز الإنسان به بين الخير والشرء ويعرف به الأمر والتهى والقام
الثانى للعقل هو عقل الحجمة الذى يعد متاط التكليف ويصل به الإنسان إلى تحطاب الله
للبشر» حين يبلغ الإنسان الحلم والقام الشالث هو عقل العجربة الذى يصير به الإنسان
حكيماً ؛ ولذا جاء فى الحديث الشريف : لاحكيم إلا ذو تجرية
وللعقل على هذا النحو مهام ؛ فهو الذى يسير به الإنسان فى طريق العلم الحسسىء فيصرف
حقائق الموجودات وطبائعها وقوانين الطبيعة ويسير به الإنسان فى طريق الفقه واللعاملات»
فيستنيط به الأحكام ويكشف عن الحكم الشرعية فى معاملة أل الدنيا وبالعقل يعقل
الإنسان نفسه معن متابعة الهرى ؛ ممعنى أن يعقلها كما تعقل الدواب» فلا تقوده النفس إلى ما
وبلاغية مميزة » هى الولع بالجناس فتجد ابن عربى ينظم إشاراته فهى عبارات
سجعيةٍ جرسيَةٍ الإيقاع؛ فيقول صلصلة الجرس ؛ عين حمحة الفرس ولنا على
هذا القول تعليقٌ وتأريل ؛ اثبتناه فى هوامش التحقيق
* ورخاصية أسلوبية أخرى ؛ تتمثل فى سعى ابن عربى إلى اللغة ذات
الجذور الاشتقاقية للألفاظ» ليعيد تركييها فى إطار حديد يتفجر فيه اللفئط
المستخدم بدلالات جديدة » ومفتتحاً مرحلة جديدة من المراحل الى تطوّرت
* وفى الألفاظ أيضاء تظهر خاصية فريدة لانجدها قبل ابن عربى هى
شغفة باستغلال المعانى ذات اللفظ الواحد» وهى ظاهرة ترف عد المشتغلى
باللغة ب : ما يتفق لفظه ويختلف معناه لكن ابن عربىء الذى يرجع للجدور
اللفظية ؛ استطاع أن يستخدم هذه العملية بشكل فريد» وبأمثلة لائراها عند
الإستخدام المتكرر لقضايا علم الكلام والفلسفة والفقه وهو استخدام خاص
يقوم فيه ابن عربى بتفريغ القضية من مفاهيمها السابقة 6 ويتوحه بها محر
مفهرم حديد يخدم مراميه
(» بخصوص اللغة الصوفية وتطورها » انظر كتابنا
المتواليات : دراسات فى العصوف زالدار المصرية اللبنانية + الطيعة الأول ٠ )٠948
وقال : للهوى فى العقل حُكُمّ خف » لايشعر به إلا أهل الكشف
والوجود
وقال : أثر الأوهام فى النفوس البشرية ء أظهرٌ وأفوى من أثر العقول ا
وقال : من رحمة الله بنا » أنه رفع عنا المواخذة بالدسيان ؛ والخطاء وما
- | ويفرق الصوفية بين العقل واللب يقول الحكيم التزمذى : اعلم أن اللب لايكدون إلا
النفس والدنياء قسسماهم الله أولى الألباب وخصهم بالخطاب وعاتبهم بأنواع العحاب
ومدحهم فى كثير من الكتاب «ؤفاتقوا لله يا أولى الألباب واتقون يا أولى الألباب
وما يذكر إلا أولو الألباب 4 فمدح الله أولى الألباب وبّن مراتبهم وسراترهم مع ربهم؛
اللب هو العقل ولكن بينهما فرق » كما بين نور الشمس ولور السراج» مع أن كلاهما
نور (بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب - تحقيق نقولا هيرء ص 4 لا وما بعدها)
وابن عربى يتحدث هنا عن العقل يصدد الألوهية » وهو المقام الذى لايمكن للعقل فيه أن يصل
إلى الحقاتق فحقائق الألوهية لايتعرف عليها العبد إلا بقوة أاعرى هى القلب الذى ينظر
بنور الله » فيتمكّن من الكشف
)١( المراد هنا أن العقل حاول تحديد !لله فى صورة معينة يعلقها أما الشرع الديدى والكشضف
الصوقى » فهما لايحدان الله بل يقرران أن هو الأول والآخر والظاهر والباطن # وأنه تعال
فوق كل ما تصوّره الوهم الإنسانى
ظهرها من داية * سورة فاطر آية 45
العُقَّال- فالسعيد مَنْ عَقّله الشرع » لا من عَقَله غير الشرع
ومن ذلك » تنبية : لاضاهى الدور الإلحى من الباب 670 :
وقال : العقل ينافى المضاهاة » والشرع يثبت ويتفى”" والإيمانتما جحاء
به الشرع هو السعادة فلا يتعدى العاقل!") ما ضرع الله له !
11 سورة الشورى » آية )١
() صفات التشبيه هى ما ورد فى القرآن من قوله تعالى «أإيد الله فوق أيديهم» ومشل قوله
#تحرى بأعيننا» وقوله #ما صنعت يبدى؟ وغير ذلك من آيات الجلوس على العرش
والكشف عن الساق قال المعتزلة بضرورة تأويل هذه الآيات تما يتفق مع التنزيه وقال عغيد
(») يرى ابن عربى عنا أن الحكم العقلى يقرر أن المضاهاة غير مقبولة؛ لأنه تمال «#ليس كمثله
وإثبات لها راجع ما قلناه في الحامش السابق
(©» يقصد الشيخ الأكبر بالعقل هنا » ما يدرك به الإنسان من حيث هو مؤمن ؛ وعلى ذلك لا
يوصف الملحد والمبتعد عن الشرع بأنهما عاقلان ويمكن القول إن اين عربى يفرق هنايين
نوعين من العقل الأول خاص بالفهوم الشائع ؛ وهو قياس الأمور والنوع الآخعر هو العقسل
بالمفهوم الصوفى © وهو سبر الأمور ومعرفة حقائقها ولايتآنى هذا العقل الآخر إلا بمتابعة
الشريعة (راجع مآ سبق) ٠
وقال : اكمل العقول ؛ عقلٌ ساوى لمائه وهو عزيز
وقال : لو تصرّف” العقلٌ ما كان عقلاً فالتصريف للعلم لا للعقل
ِل بال فى اليم غلة به
)١( التصريف » هو الحكلم فى الموحودات وابن عربى هنا يستغل التضاد يين التصرّف والعقل
فالتصرف والتصريف حركة ؛ والعقل تغييد
نهايةً إقدام العقول عُقَالَ وأكثرٌ سعى العالين ضلالٌ
وهذا البيت (من الطويل») يتسب إلى فخر الدين الرازى » المعروف يابن تعطيب الرى
(©) فى الأصل : كلما ويلاحظ فى أول الأبيات أن الشيخ الأكبر يعنّد المراتب الآتية للإدراك:
قال : النقيب!" » مَنْ استخرج كنز المعرفة با لله من نفسه؛ لما سمع قوله
ألا تُبُصرون»"' وقول رسول الله و8 : مَنّ عرف نفس عرف ره
وقال : مَنْ أَنَى أن تكون” له مثل هذه المعرفة لم يكن من النقباء
وقال : لما علم أن بين الدليل والمدلول وجهاً رابطاً؛ زهد فى العلم بالله
وقد ذهب إلى ذلك جماعة من أصحاب النظر ء مثل أبى حامد!؟ ؛ ولكن لا
(1) يقصد » متى عفلت بالعقل الظاهر » جهلت الحقائق الباطنة
للأولياء » أحكام وحقائق (راجع » الحكوسة الباطنية للدكتور حسن الشرقاوى» الطبعمة
الأول » ص ٠ وما بعدها) وفى كلام الشيخ الأكبر هناء سسوف يستغل التشابه اللفظطي»
فيربط بين تلك المرتبة الروحية وبين التتقيب فى النفس !
(3) سورة قصلت + آية ؟8
() سورة القاريات » آية 7١
(ه) فى الأصلى : يكوت ٠
() هو الإمام الغزال الشهير » جه الإسلام » صاحب إحياء علوم اللبهن وغيره من الكتب التى
-كما يقول ياقرت الحموى- ملأت الأرض توفى بطوس بعد حياة حافلة مسنة 565
حجرية يصفه الذهبى بأنه : الشيخ الإمام البحر » حجة الإسلام ؛ أعحوية الزمان + زين الدين
أيو حامد محمد بن محمد الغزالى » صاحب التصانيف والذكاء المفرط (سير أعلام النبسلاء
يقة أهل !الله فى تقد العلم با لله
: ويمكن الرجوع لتزجماته فى )»777 /١١
وفيات الأعيان 19/4 7- المختصر فى أخبار اليشر - 441/٠١ الكامل -١ 18/4 المنتظم
/١ الوافى بالوفيات - ٠١/6 دول الإسلام 74/7 العبر ١77/4 تاريخ الإسلام 77
اليداية والنهاية 7 177/1 - النجوم الزاهرة 5/ 107 -- مفتاح السعادة ؟/ 777 -- روضات
بالإضافة إلى ما لاحصر له من الشروح لكب الغزال » والدرامسات الى ١8٠ الحنات
ونأتى لمراد ابن عربى هنا » فتشير أولاً إلى أن الغزالى قد دحل طريق التصوف من باب
نظرى» فقد استعرض الفرق ومذاهبهم» فلم يجد أفضل عنده من طريق الصوفية حتتى حاء
عليه يوم» احتبس صوته ولم يتمكن من إلقاء دروسه فى المدرسة النظامية » فشعر أنها دعوة
للدخول التام فى غمار التصوف » فترك كل شواغله وتزهد» وصار إلى ما صار إليه من سلوك
صوقى (راجع ترجمة الغزال الذاتية التى يؤرخ فيها لتجحريته ؛ وجعلها بعنوان : المنقذ من
والإيمان» ثم تشرع قى العمل بالعلم حتى يعرف الصوفى ربه ؛ ويكون آنذاك قد عرف الله
با لله - وهذا يختلف عن معرفة الله بالدليل النلرى - ثم يعلم الصوفى كل شئ بالل ومن
جملة الأشياء التى يعرفه : نفسه ويمكن توضيح الفرق بين الطريقتين فى الآتى:
* طريقسة الغزالى : النظر العقلى -> الدليل على الله -> معرفة النفس -> معرفة !الله
* طريقة ابن عربى : الايمان العمل بالعلم -> معرفة الله -> معرفة النفس
)١( فى الأصل : وبعد