وقد أبان الامام الذهبي رأيه في كثير من هؤلاء الرواة + وترك كثيراً
منهم للقارىء كي يجري فيهم على قواعد علم الجرح والتعديل .
ويجد القارىء في تعقيبات الذهبي الموجزة فوائد قيمة » بحتاج في
تحصيلها إلى كثير من الجهد .
لذلك حَطي كتاب «المغني في الضعفاء» بعناية العلماء وثنائهم +
حتى جعله الامام جلال الدين السيوطي" مثالا لكتاب «صغير
الحجم ؛ نافع جداً ؛ من جهة أنه يحكم على كل رجل بالأصح فيه
بكلمة واحدة ...2.2
وحسبنا من الدليل على أهمية هذا الكتاب ومكانته العلمية أن نجد
إمامين من أئمة العلم هما : الامام محمد السفَائُسِي وأخوه الإمام
المؤلف نفسه . رحم الله الجميع ورضي عنهم .
طبقات الكتاب والرُواة المتكلم فيهم :
تتفاوت مراتب الرّواة الذين اشتمل عليهم كتاب «المغني في
فقال :
814 في كتابه «تدريب الراوي شرح تقريب النواوي» ص )١(
دقد احتوى على ذكر الكذّابين الوضاعين + ثم على ذكر المتروكين
الوهم من الصّادقين » ثم على اللقات الذين فيهم شيء من الأين »
المجهولين ...
وهذا إجمال وإيجاز لطبقات الرواة الذين اشتمل عليهم الكتاب
وقد أوضحه الذهبي نفسه بتبيان قيَّم في آخر نسخة الضعفاء ؛ نورده
لك ههنا بتمامه » لأهميته البالغة في مطالعة كتاب المغني خاصة »
قال الامام شمس الدين الذهبي رحمه الله في ختام كتاب
«الضعفاء» : إعلم ( ألهمك الله التقوى ) أن رجال هذا المصنف على
الطبقة الأولى : قوم ثقات وأئمة من رجال البخاري ومسلم +
تكلم فيهم بعض الحفاظ بلا برهان » فلم أذكر هذا النوع للقدح
فيهم » بل لِيُعْلَمَ في النجملة أنه قد تُكُلّم فيهم بحقٌّ ؛ أو بباطل ©
أو باحتمال .
الطبقة الثانية : قوم من رجال البخاري ومسلم والنسائي ؛ يغلب
حسناً . والحسن حجة ؛ لأنهم صادقون لحم أوهام قليلة في جنب
ما قد رووا من السنن ؛ كابن عجلان » وسهيل بن أبي صالح +
وعمرو بن شعيب » ومحمد بن عمرو » وأشباههم .
الطبقة الثالثة : قوم من رجال السنن » ليسوا بحجة لغلطهم »
وليسوا بمطروحين لما فيهم من العلم والخير والمعرفة + فحديثهم دائر
بين الحسْن والضعف ؛ يصلح للاعتبار والاستشهاد » وتجل رواية
أحاديثهم » كمجالد بن سعيد » وابن لهيعة » وقيس بن الربيع +
الطبقة الرابعة : قوم أججع على ضعفهم وطرح رواياتهم لسوء
ضبطهم وكثرة خبطهم ؛ فهؤلاء لا تركن نفس عالم إلى ما يباشرونه
من الأحاديث » ورما تحرّج"» العالم الورع من سماع مارووه
وإسماعه » والله المستعان . وهم مثل : فُرّج بن فضَالة الحمصي »
وجابر الجعفي » وجعفر بن الزبير » والواقدي" ٠.
الطبقة الخامسة : قوم متفق على تركهم » لكذبهم وروايتهم
بن وهب القاضي » ومحمد بن سعيد المصلوب » ومقاتل بن
سليمان » والكلبي ؛ واشباههم . فهؤلاء إذا انفرد الرجل منهم
بحديث عن رسول الله فيه » فلا تحل روايته إلا بشرط أن يُهْتكٌ
قرائن دالة على أنه موضوع نبه على ذلك وحذر منه .
وأما المجهولون من الرواة ؛ فان كان الرجل من كبار التابعين
الأصول + ومن ركاكة الألفاظ . وإن كل الرجل منهم من صغار
التابعين فسائغ رواية خبره » ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي
عنه وتحريه » وعدم ذلك » وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن
بعدهم فهو أضعف لخبره سيا إذا انفرد به .
وينبغي التثبت في الأحاديث الضعيفة ؛ فلا يبالغ الشخص في
ردها مطلقاً ؛ ولا في استعمالها والأخذ بها مطلقاً » بخلاف الأحاديث
السّاقطة والموضوعة فلا يجوز العمل بها أصال . ويتعذّر الحد الفارق
بين الحديث الضعيف الذي يعمل ويحدث به ؛ وبين الحديث الواهي
والساقط والموضوع" .
والله الموفق » ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 00»
انتهى .
وهذا تقسيم نفيس وقيِّم للرواة الذي طُعِن فيهم ؛ تفرديه الامام
. ورقة 177 من مخطوطة دار الكتب الظاهرية )١(
الذهبي » وأودعه فوائد وحدوداً تميز هؤلاء الرواة : بعضهم عن
بعض » وتعين قارىء كتاب «المغني في الضعفاء» وسائر كتب رجال
المقبولين الثقات » فكم وقع الحيف عليهم بسبب الاغترار با جرح
الوارد فيهم من بعض الحفاظ ؛ مع كونه لا يضيرهم ؛ وخصوصاً في
عصرنا هذا حيث كثر ( من بعض الناس الذين أقحموا أنفسهم على
علم الحديث ) رد الأحاديث الصحيحة » وتقوية الأحاديث الضعيفة
الاستتباط ؛ ووضع النصوص في غير مواضعها .
لكن الذهبي رحمه الله قد غلا في قوله في آخر تقسيمه هذا « ويتعذر
وبين الحديث الواهي والساقط والموضوع» .
ولعله أراد التنبيه إلى الاحتياط وعدم التسرع في الأخذ بالحديث
كثيراً من الضعاف المشتغلين بمطالعة كتب الحديث ومصادر الرجال »
الزمان من أهله - اغتراراً بمجرد الحصول على مؤهل في العلوم
الشرعية » بل في غير العلوم الشرعية . .؟! بل من غير مؤهل سوى
تقليب الأوراق ...؟!
وقد بين العلماء المحققون حدّ الحديث الضعيف الذي يعمل به .
شديدا . والضعف الشديد هو ما كان ناشئا عن فسق الراوي
أواتهامه بالكذب . أو الطعن فيه بالغلط الفاحش . إلى آخر
ماذكروا من شروط العمل بالحديث الضعيف"" .
على أنا نرى هذا التقسيم الذي أورده الذهبي نفسه يصلح قاعدة
لبيان حدٌّ الحديث الضعيف الذي يُعمل به في فضائل الأعمال
وَيُحَثّتُ به ؛ فان رجال الطبقة الثالثة عنده ينطبق عليهم قانون
العمل بالحديث الضعيف . لأن ضعفهم غير شديد .
ونزيد المسألة إيضاحاً وتيسيراً فنقول :
ان الرواي المتكلم فيه الذي يصلح حديثه للعمل به هومَنْ كان
من المراتب التي بُحْكُمْ لها بهذا الحكم : «يُْتبر به» . والذي
لا يصلح للعمل بحديثه هو الذي يحكم عليه بأنه «لا يعتبر به» .
روايات الثقات .
وقد حققنا المسألة ودفعنا ما أثير حولها من إشكال في كتابنا «منهج
النقد في علوم الحديث» فليرجع إليه ؛ فانه هام" .
للتوسع قواعد التحديث للقاسمي ص 171-117
() ص 3497-1841 » وانظر فيه تحرير مراتب الجرح والتعديل وأحكامها ص 116-1٠١6
هللات
منهج تحقيق الكتاب :
يهدف عمل المحقق إثبات نص الكتاب كما صدر عن مؤلفه ؛ وقد
واجهتنا في عملنا صعوبات كثيرة اقتضت الكثير من الجهد الحثيث
المتواصل .
ذلك أن النسخ التي تحمل اسم «المغني في الضعفاء» تختلف فيا
بينها اختلافاً كثيراً ؛ بعضها مطول يكثر من إيراد التراجم «أسماء
الرواة» ويأتي ببعض الزيادات في الكلام على الراوي » كما هو الحال
على العكس من ذلك في الأمرين » يورد من التراجم أقل من هاتين
النسختين ؛ ويقتضب الكلام عليها أيضاً » وذلك وصف النسخة
٠ الأحمدون . وتختتم بخاتمة جيدة تتكلم عن محتوى الكتاب . وذلك
مالم نجده في نسخة المغني الكبيرة الكاملة التي بين أيدينا » وإنما نجد
الشيخ حماد الأنصاري من مدرسي الجامعة الاسلامية بالمدينة
المنورة . وهي نسخة سقيمة بخط مهمل من الضبط والاعجام +
مغفلة من رموز التخرج للراوي في الكتب الستة .
الأول : كتاب الضعفاء ؛ جمع فيه كثيراً من الرواة ؛ واختصر
الكلام عليهم » ثم جمع زيادات جعلها ذيلا للضعفاء استدركها
عليه » ثم إنه أدرج هذه الزيادات وغيرها في صلبه وسماه «المغني في
الضعفاء» © وهو الكتاب الثاني .
وقد وجدنا نسخة من كتاب الضعفاء في دار الكتب الظاهرية
تطابق النسخة التركية » ومعه في الجلد نفسه كتاب صغير هو «ذيل
الضعفاء » التقطته من عدة تواليف » وهذا شيء لاسبيل إلى
استيعابه » وإنما هو بحسب ما عرفت » أو اطلعتٌ عليه» .
مستوفاة في المغني إلا نبذاً يسيرة جداً اثبتناها في التعليق على الكتاب .
ويبدو أن الحافظ الذهبي قد استمر في الاستدراك بعد ذلك على
كتاب المغني ؛ حيث إنا وجدنا الحافظ ابن حجر ينقل شيئاً ينسبه إلى
«ذيل الغني» للمصنف . لم نجده في المغني ولا في ذيل ديوان
الضعفاء ؛ لكن لم نعثر على ذيل المغني هذا" .
وهكذا يتبين أن كتاب المغني في الضعفاء غير كتاب الضعفاء
)١( وفي تعجيل المنفعة : «ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب . . ذكره الذهبي
في المغني في الضعقاء ولم يذكر لذكره فيه مستندأه . . مع أن إبراهيم هذا غير مترجم في
المغني . وانظر كذلك تعليقاً عل رقم 0 و 7ه
سقلا
نسخت وقرثت على المؤلف في أواخر عهده بالتأليف والتصنيف كذا
النسخة المصرية وأن تسمية النسخ المقتضبة باسم «الغني» إنما نشأ
من تصرف النساخ لظنهم الكتابين واحدا . . !
ثم واجهنا بعد ذلك مصاعب ضبط الكتاب وتقويم ألفاظه على
الصواب » وهو عمل دقيق وخطير جداً بالنسبة لكتب الرجال »
من الغلط والتصحيف . ومن الواضح أن أسماء الرواة لا مجال
للاجتهاد والرأي في تصحيحها . واختلاف الرسم فيها بحرف
أو أعجام أو ضبط كثيراً ما يؤدي إلى تغيير هوية الراوي . وقد وفقنا
بحمد الله وفضله إلى أداء هذا الجانب حقه ؛ على غاية من الدقة بما
اعتمدناه من النسخ الخطية » لا سيا الأولى منها » ثم فيا اتبعنا من
خطة العمل في التحقيق كما نوضحه فيا بلي :
النسخة الأولى : نسخة قيمة جداً محفوظة في المكتبة الأحمدية من
المكتبة الوقفية بحلب الشهباء برقم 277 تقع في مائتين وعشرين ورقة
الكتاب وأضرت بالورقة الأولى » فالصق على ظهرها ورقة أخرى
غطتها تماماً وأخفت عنوان الكتاب للأسف . وقد تبنت بعض
كلمات الصفحة الثانية والثالثة من الكتاب بخط آخر وقع لصاحبه
سهو يسير ؛ فاعتمدنا فيهها على النسخة الأزهرية ٠