ابن تيمية والتصوف
ورسوله #8 أحب إليه مما سواهماء والرجاء لرحمة الله والخشية من عذايه والصبر
لحكم الله والتسليم لأمر الله..).!"؟
بل إن دراسة وقائع حياته والتحارب والمحن الى اجتازها تعطينا الدليل على
تصور الشيخ للارتباط الوثيق والضرورى بين الاعتقادات والأعمال» وترشد المسلم
المعاصر إلى معرفة العقائد والقيم الصحيحة بأدلتها واتباعها بدلاً من السبل المتشعبة
الى سلكها أغلب مشائخ الصوفية وأتباعهم فحادت بهم عن الطريق السوى.
كذلك يثنا على اتباع السابقين الأولين فى جميع علوم الدين وأعماله
كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك؛
لأنمم تركوا لنا منهجاً محكماً فإن (من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم
بالكتاب والسنة؛ فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان
ولا وحده؛ فإنمم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول 3#
جاء بالهدى ودين الحق).”" وكلمات الشيخ فيها تعريض سافر للمتكلمين
والفلاسفة الذين يقدمون ما يظنونه أدلة العقول على أدلة الكتاب والسنة؛ وهذا ما
يقدمون (الذوق والوجد).
ونحن نبت بهذا الكتاب خطأ الصفة الشائعة حول شيخ الإسلام بالتحجر
1٠١ فتاوى شيخ الإسلاب جا اه ص )١(
(؟) الفرقان بين الح والباطل» ص85
بالقلم واللسان والسيف لم يشغله عن التقرب إلى الله يي بالأذكار والتوافل بل
إن ابن تيمية يفتح لنا الآفاق الواسعة على النبع الصاقى من الكتاب والسنة ال
لو هل منه كل مسلم لتحققت له السعادة بمعرفة ربه يَف وتذوق حلاوة معرفته
والتتعم بذكره قلياً ولساناً والتقرب إليه سبحانه وتعال بما أمر به ورسوله و48 +
ويأتى أخيراً غرضنا من هذا الكتاب إلى الدعوة لدائرة الإسلام الكبرى يعقائده
وعباداته وشرائعه وقيمه الأخلاقية بغير شوائب دخيلة على تراثناء حينعذ يجد المسلم
ما بيتغيه من حياة طيبة فى الدنيا ونعيماً مقيماً - برحمة الله وفضله - فى الآخرة.
من جمادى الآخرة سنة 1ه
١١ ديسمر سسنة 1437م
هقدهة الطيعة الأولى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
فإن موضوع هذا الكتاب هو موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من التصوف.
ورمما يسأل سائل: ما الدافع لاختيارنا لمبحث التصوف وقد امتلأت أرفف
المكتبات بعشرات أو مئات الكتب فى نفس الغرض؟
ولكتنا نجمل الإحابة بدورنا فتوضح أن من الأسباب ما يتصل بظروف العصر
الذى تعيش فيه؛ أو ما يتعلق بطريقة شيخ الإسلام فى تشخيص الأدواء ووضع
القوى الخارجية العدائية تتكالب على العالم الإسلامى بقوة وضراوة؛ فتجتاح
الأراضى غزواً واحتلالاً؛ وتقتحم العقول والنفوس بمذاهب ونظريات وأنظمة شق
لتخرج المسلمين من عزّ الإسلام ومنعته إلى ذل الأنظمة الواردة من الشرق والغرب»
الأمة فى رأس كل مائثة سنة من يجدد لها دينها".9"
ونزعم أن ابن تيمية منهم. وإذا كانت نداءاته قد خفت حسب طبيعة المشاكل
المثارة فى عصره وانقضت بانقضائه - ومنها المسائل الكلامية أو مباحث الفلسفة
اليونانية ومنطق أرسطو طاليس - فقد بقيت نظرته للتصوف جديدة كل الجدة
تصلح فى زماننا للتسلح بها فى مواجهة مروجى التصوف ولمدافعين عنه؛ إذ ما زال
كذلك تظهر جدة أدلته وأصالتها لأنما أدلة قرآنية مشفوعة بتفاصيل من السنة
ومتبوعة بأمثلة كثيرة يستمدها من حياة المثقفين للآثار من الصحابة والتابعين
والسالكين طريق النبوة.
أضف إلى ذلك كله أننا فى أشد الحاجة للقول الفصل أمام مشاكل أصبحت
ملازمة لتاريخ المعاصر - ومنها التصوف - لتدعيم وجهة النظر المعارضة بأدلة
تفصيلية» فلا يكفى رفض التصوف ونبذه بلا مناقشة فنحن فى حاجة إلى مقارعة
الحجة بالحجة لا سيما أن الصوفية قد برعوا ولهم تاريخ طويل فى إلباس التصوف
ثوباً إسلامياً قشياً؛ إن لم يجعلوا الإسلام فى قمته منحصراً فى التصوف وحده.
إنمم برعوا فى تلقف شباب المسلمين الباحثين عن الحق؛ فيقعون فى شباكهم»؛
وكثير منهم بلغ درجة عالية من الثقافة والعلم» ولكنه يحتاج إلى قوة جذب أخرى
بعواطف المحبة والرجاء ف الله تعال
إننا ترى أن الأدلة العقلية وحدها لا تكفى لإشباع النوازع الباحثة عن
طمأنيئة النفس ويقين القلب؛ وقد جاء الإسلام مخاطباً الإنسان فى كينونته كلها
- العقلية والعاطفية والنفسية جميعاً - ولذا فإن السبيل إزاء هذا التصوف هو تقوم
البديل - أى الإسلام فى شموله وتكامله - لا فى ثوب العقل كما يفعل المتكلمون؛
ابن تيمية والتصوف
خطة البحث:
للسبب الآنف ذكره وصلة وثيقة بوضع خطة البحث؛ إذ كان لابد من
التعرض لحياة الأوائل وتأصيل حياة الزهد الإسلامية من منابعهاء وقد عرضنا لبعض
التحارب وذلك لكى نقترب من الحقيقة الحية إلى أقصى الإمكان فليست تراجم
هذه الشخصيات فى كتب التاريخ والتراجم إلا بضعة سطور متناثرة» تحتاج إلى
منهاج تركيى لتعود إليها الحقيقة نابضة وكأنما تعيش بينناء وإذ قلنا إنهم زهاداً
هؤلاء الذين استمسكوا بتعاليم رسول الله ب وظلوا أمناء على التراث العظيم
يصدون به أمواج الانحرافات والتغيرات؛ ولم ينقطع بعدهم على مر الأعصار من
يجدد لهذه الأمة دينهاء واضعين نصب أعينهم الحديث العاصم لهم من الزلل: "إن
تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً: كتاب الله وسنق".
ولهذا السبب استغرق فصل الزهد عند المسلمين الأوائل.") جانباً كبياً من
اهتمامنا للتدليل على سلامة سلوكهم المتوافق مع كتاب الله تعالىل وسنة رسوله +
ولما كان هدفنا الوقوف من التصوف نفس الموقف الذى اتنذه شيخ الإسلام
ابن تيمية؛ فقد رأينا اختطاط المنهج الوسط بين طرفين:
)١( نشر بكتاب مستقل باسم (الزهاد الأوائل) بطبعته الأول» ثم أعيد طبعه باسم (مع المسلمين الأوائل
نظرقم للحياة والقيم)؛ ط دار الدعوة بالاسكتدرية 404 1ه/ 1485م
نيدة علمية واقتتاع بسلامة المنهج المقارن بين الدول
الإسلامية فى ذاتنا وبين ألوان الفكر والسلوك المتعددة؛ أى فى دوائر علم الكلام.2')
والفلسفة والتصوف.
وى الحديث عن التصوف فإننا نرى أن أغلب الباحثين المعاصرين المؤيدين
للتصوف الإسلامى يصفونه بأنه الثروة الروحية فى الإسلام؛ أو أنه أروع صفحة
تتحلى فيها روحانية الإسلام حيث يفسرها هذا الدين تفسيراً عميقاً يشبع العاطفة
ويغذى القلب بدلاً من التفسير العقلى للمتكلمين والفلاسفة؛ أو التفسير الصورى
به مقام النبوة والصديقية وما دام بيان منهج البحث ضرورى فى أية دراسة - لا
مبيما ونحن إزاء موضوع تعددت فيه الأبحاث وتراكمت؛ واختلفت فيه الآراء
والنظريات بين التأييد والمعارضة» فإننا نرى أنه من الضرورى إلقاء نظرة عامة على
أولا: كتابات المؤيدين للتصوف ولمدافعين عنه كالكلاباذى والسلمى
الثان: المعارضين للتصوف من أغلب الفقهاء والمتكلمين طوال العصوره ورمما
يمثله اتجاه ابن الجوزى. وهذا الاتجاه قد لا يسلم من التحيز ويفتقد النظرة العلمية
أهواء متبعة أو رهبانية مبتدعة.
)١( التزمنا بنفس المنهج» بكتابنا (منهج علماء الحديث والسنة فى أصول الدين "علم الكلام"؛ طء دار
الدعوة بالاسكندرية» 407 اه / 487١م
(») د. أبر العلا عفيفى» التصوف الثورة الروحية فى الإسلام +
والتصوف
وكان يدعو المسلمين إلى عبادة»اله ون وفق العقل والشرع دون المظاهر الق
حرص الصوفية على اتباعها من إهمال الحقوق وترك الأولاد والالتحاء إلى زوايا
الكسل؛ ولو تصوف الرجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق)!""
الثالث: الموقف الوسط ويعبر عنه أمثال ابن تيمية وابن القيم وابن خلدون إذ
يؤيدون الاتجاهات الصوفية المطابقة للكتاب والسنة؛ ويعارضون بشدة مذاهب
التصوف الفلسفى عند الحلاج والسهروردى المقتول وابن عربى ومن ملك
وهو نفس الخطأ الذى يقع فيه من يغلب الجانب المادى فإن انسلاخ أحدهما عن
الآخر يصبح نوعاً من البدع؛ لأن الإسلام يدعو للعمل لصلاح المجتمع الإنساق»
كما يحجرص على التذكير بالحياة الأبدية بعد اللوت؛ ولهذا فلابد أن يلتحم جانب
الصدق والإخلاص مع عمل الجوارح الظاهرة؛ بل يذهب إلى كل عمل ينطوى
على الرغية فى إرضاء الله سبحانه وتعالل والإخلاص له عبادة؛ ويقول: (ثم إن
الدنيا تخدم الدين)." موكداً عمومية مبداً الربط بين إرادة المال والشرف» وحقيقة
الإبمان وكمال الدين» فهذا هو الصراط المستقيم (صراط الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).
ويعتمد أصحاب هذا المنهج على المقارنة بين تعاليم الإسلام الأصلية ىق
مصدريها: الكتاب والسنة وبين المواقف المختلفة للصوفية.
11١7 ابن الجوزى» تلبيس إيليس» )١(
وصفة الصفوق جا ص4 .١# .م ص4 )(
ابن تيمية؛ السياسة الشرعية» ص174. )(
ابن تيمية والتصوف
وعبارة ابن خلدون الآتية توضح لنا معارضته للغلر فى اتباع المشايخ وإحاطتهم
بمالات القدسية (وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة - وهو يقصد ابن عربى وابن
سبعين واتباعهما من صوفية وحدة الوجود - ولو بلغ المشئ عليه ما عسى أن يلغ
على أن القاعدة الى تقررها النصوص من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
توضح أن الأساس فى الأفضلية من حيث العصور الماضية هو العصر الذى ظهر فيه
رسول الله يه (فمن جعل طريق أحد العلماء والفقهاء أو طريق أحد من العباد
والنساك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع). !©
وهذه القاعدة على طرف النقيض من آراء المستشرقين ومن اتبع منهحهم
وقد أيد الرسول به أفضلية الصحابة على من تلاهم من أهل القرون التالية؛
فقد ثبت فى الصحيحين من غير وجه عن النى و4 أنه قال: "خير القرون القرن
ونفهم من دراستنا لسيرقم أنمم قاربوا حد الكمال فى فهمهم للإسلام عق
الآتية توضح ذلك: (فإن خير الكلام كلام الله؛ وخير الهدى هدى محمد 88 ؛ وخير
القرون الذى بعث فيهم؛ وإن أفضل الطرق والسبل إلى الله ما كان عليه هو
+11 ١ص اين خلدون؛ شفاء السائل لتهذيب المسائل» )١(
+77 ابن نيمية؛ الصوفية والفقراء» ص )1(
قلات
ابن تيمية والتصوف
وأصحابه».”'" وذلك تفسير الآية السالفة الذكر إذ يرى فيها ابن تيمية أنما تبين أن
الله سبحانه وتعالل قد رضى عن السابقين مطلقاً ورضى عمن اتبعهم بإحسان
(وذلك متناول لكل من اتبعهم إلى يوم القيامة كما ذكر ذلك أهل العلمى."؟
وكما يحدث عند التقاء الحضارات بعضها ببعض؛ فقد التقى المسلمون بالفرس
يحدث بين المسلمين وبين الأمم الأخرى أخذ وعطاء.
وى القرون الثلاثة الأولى كان الغالب على المسلمين الاستمساك تمنهحهم
الإسلامى الأصلى أى تعاليم الكتاب والسنة؛ وكانا عاصمين لحم من الخطأ
فتشعيت بالمسلين المسالك واختلفت بجم الطرقء
ولعل أهم النتائج المترتبة على هجر هذا المنهج هو أنه بعد أن كان الأوائل
يفهمون الإسلام فى دائرته الكلية الشاملة - أى بعبادته ومعاملاته وأخلاقه - فقد
انفرط هذا العقد على يد المسلمين فيما بعد» وانقسموا فيما بينهم»؛ فأصبح الاتجاه
أما كيف حدث هذا؟ فهو موضوع بحثناء فنبداً من موقف ابن تيمية الذى
+7 ابن تيمية؛ الصوفية والفقراء» ص؟ )١(