وإذا كان من باب أداء الأمانة أن أشكر الذين ساعدونى فى إنجاز هذه الدراسة
فإنى أخص منهم أستاذى الدكتور رمضان عبد التواب لما قدمه من النصح والتقوم
كما أشكر و مكتبة الخانجى » لعنايتها مما تنشر من فكر هذه الأمة وتراثها
ثم إنى من قبل ومن بع أتوجه إلى الله تعالى أن يصلح النية ويتقبل العمل
ويجعله خالصا لوجهه الكريم .
السيد دسوقى إبراهيم الشرقاوى
الفصل الأول : مفهوم الغرابة
يظهر معنى « الغرابة » ولفظ « الغريب » فى كثير من نصوص الحديث والأثر »
وفى بعض الأمثال والخطب ؛ وكذلك فى عدد من أبيات الشعر .
ولا يخفى أن ما ورد فى متون الحديث والأثر حول مفهوم « الغرابة 4 يعد من
أسبق ما ورد فى هذا الباب وأوثقه » من ذلك : ما جاء فى حديث رسول الله
َي : ٠ بدأ الإسلام غربياً وسيعود غريياً » فطوبى للغرباء » !"© ؛ وجاء فى رواية
الخطانى : « قيل : من هم يارسول الله ؟ قال : اراح من القبائل » !© » ثم قال
الله عز وجل » !" . وجاء فى « النهاية » لابن الأثير : ١ أنه كان فى أول أمره
كالغريب الوحيد الذى لا أهل عنده ؛ لقلة المسلمين يومئذ + وسيعود غرييا كما
كان : أى يقل المسلمون فى آخر الزمان فيصيرون كالغرباء !© 6+
وفى ١ التهذيب » فى سياق شرح الحديث : « وإنما أراد أن أهل الإسلام حين
بدأ كانوا قليلا » وهم فى آخر الزمان يقلون » إلا أنهم أخيار 6 !© .
وانظر جمع الجوامع للسيوطى 141/١ » وغريب الحديث للخطابى 178/1 والنهاية 44/7
(1) غريب الحديث للخطابى 174/1 وراجع مسند الإنام أحمد 1/مة+
(©) غربب الحديث للخطابى 174/1 وما بعدها +
(4) النهاية 43+
(ه) تهذيب اللغة 118/8
مضمون الغرابة ؛ حديث استشهاد حارثة !"© » رضى الله عنه » وأنه أصابه يوم
« بدر سَهْع غَرْبٌ + !© . قال أبو عبيد : ١ وهو السهم الذى لا يُعْرفٌ
ومعنى « الخفاء + الذى يفهم من الشرح المتقدم ؛ من الأسس التى قامت عليها
مادة ( غرب ) » كما هو مبين فيما سيأتى من الكلام عن مفهوم الغريب عند
الغو
ومن ذلك حديث عمر » رضى الله عنه : ١ هل من مُغوّبة خبر + © ؛ قال
وهو البعد 6 ل .
د » وأحسب أن اشتقاق الغريب من هذا » 99 .
١75 - 374/1 راجع أسد القاية )١(
جاء حديث استشهاد حارثة رضى الله عنه فى البخارى كتاب الجهاد والسير » وراجع فتح )3(
4 374/1 والمعجم الكبير للطيرانى 371/73 وأسد الغابة 37/١ البارى 31/3 ومسند الإمام أحمد
7٠ وراجع غريب الحديث للخطانى ١74/١ والقائق 17/8 وغريب الحديث
والنهاية +/00+
لابن الجوزى 148/9
() غريب الحديث لأنى عبيد 75/4
( المحكم لابن سيده 44/5
(5) رواه أبو عبيد فى غريب الحديث 378/3 وراجع ال
الجوزى 144/9 والنهابة 344/7 والمحكم لابن سيده 148/5 وتهذيب اللغة 116/8 نقلا عن
أى عبيد
(3) غريب الحده
لأبى عبيد 1718/7 وانظر التكملة للصغائى 175/١
جمهرة اللغة ١/؟
ومن المعانى الأساسية » كذلك » لمادة (غرب ) : البغد ؛ وقد جاء فى حديث
ابن عباس رضى الله عنهما ؛ فى تفسير قوله تعالى : ف( وَأرَسَلَ عَليمْ طم
أسبِيلَ # 9 : « كانت الطير الأبابيل مثل التى يقال لها عنقاء مغرب » !"9 .
وجاء فى كتاب « العين » : ١ والعنقاء المغرب » ويقال المغربة » وإغرابها فى
وقال اين سيده : ١ وعنقاءً مغربٌ » ومغربةٌ ؛ وعنقاء مغرب » على الإضافة عن
ويدخل فى معنى البعد أيضا - كما ذكر الخطابى - كلمة ١ الغراب » التى
وردت فى حديث مسلم القرشى !© قال : ١ شهدت مع النبى كَيةٍ حنينا فقال
لى : ما اسمك ؟ قلت : غراب . قال : لا بل أنث ملع م 9
قال الخطابى : « لأنه من البعد والاغتراب عن الأبصار » 99 .
وقال الراغب الأصبهانى : « والغراب سمى لكونه مبعذا فى الذهاب » © .
وشيوع هذه المعانى المتعلقة ١ بالغرابة » ومادة ( غرب ) فى الأحاديث والآثار »
التى تقدمت أمثلة لها ؛ يدل على أن هذه المفاهيم كانت معروفة قبل الإسلام
بالضرورة » ومن شواهد ذلك فى الشعر الجاهلى : ا
(1) سورة القيل 8/<
(؟) راجع تفسير ابن كثير 051/4 وذكر هذا التفسير منسوبا كذلك لمجاهد وعطاء ؛ وانظر
النهاية +/317 4 48© ومجمع الأمثال 380/8 وخزانة الأدب 177/7
(©) كتاب العين 411/4
() المحكم لابن سيدة 83/5؟
(*) فى أسد الغابة 178/5 مسلم أبو رائطة ... سكن مكة ... ولا أدرى فى أى قريش هواء
وانظر تقريب التهذيب 348/1
(1) رواه البخارى فى الأدب المفرد 8 4 وأيو داود فى سنته » 178/7 وراجع أسد الغاية 138/8
وغريب الحديث للخطانى 8/1ه والنهاية +/5 8+
() غريب الحديث للخطانى 578/١
(ه) المقردات للراغب 7/9
قول عبيد بن الأبوص 9 :
وقوله فى نفس القصيدة :
ولرَشْط حَرَابٍ وقد سُونة فى المجد ليس غُرابها عُطارٍ ©
وقوله فى القصيدة الدالية
وجاء مفرد « غوارب » فى قول أبى قيس صيفى بن الأسلت 9" ؛ يصف
الحرب :
3977/١ كان عبيد شاعرا جاهليا قديما من العمرين » وراجع الشعر والشعراء )١(
() فى ديوانه 18 والبيان والتبيين 27/4 وشرح القصائد العشر للتبريزى 547
(©) هو زياد بن معاوية » من شعراء الجاهلية وأحد فحولهم » وانظر الحزانة 178/8
(4) فى ديوانه ( برواية الأصمعى نسخة الأعلم ) 54 قال الشارح : قوله يهدى إلى غرائب
الأشعار ؛ يعنى أنه غير مشهور بالشعر ولا منسوب إليه ؛ فالشعر غريب من قبله + وانظر الحزانة 777/7
(*) ديوان النابغة 85 وفيه ١ حراب وقد : رجلان من بنى أسد » والسورة : النزلة الرفيعة . وقوله
ليس غرابها بمطار : كانوا إذا وصفوا المكان بالخصب وكثرة الشجر يقولون : لا يطير غرابه يريدون أنه
يقع فى كل مكان بعيد ما يشيع به 4+
(7) ديوان النابغة 33 وفيه : والغوارب الأمواج » وغارب كل جسم : ما ارتفع منه وعلا » وانظر
القصائد العشر 531 ( إذا جاشت غواريه ترمى أواذيه ) وفى الجيم ؟/© « والغارب من البعير
موضع القتب » وفى مفردات الراغب 5138/9 وغارب السنام : لبعده عن المثال +
(1) ترجم له ابن الأثير فى أسد الغابة 40/8 » 01/7 » ونقل عن اين إسحاق أنه أسلم يوم الفتح
وعن الزبير بن بكار أنه لم يسلم » ثم قال : وفيما ذكره ابن إسحاق والزبير نظر . وانظر كنى الشعراء
ومثال ما جاء فى الأمثال والخطب من ذلك + ما ورد فى القل : ١ ضريه
تزدحم على الحياض عند الورد وصاحب الحوض يطردها ويضربها بسبب إبله !"© »
وقد قال الحجاج 7 فى خطبة له : ١ لأضربتكم ضرب غرائب الإيل م © 6
وردت الماء فدخل من غيرها ضربت وطردت حتى تخرج منها م !© .
وفى خطبة لقَطَرِىَ بن الُجاءة !© » يحذر من الدنيا ويذكر بالآخرة والذين
وبالنور ظلمة ؛ فجاءوها كما فارقوها حُفَاةٌ عرااً فرادى » غير أنهم ظعنوا بأعمالهم
وقد ورد مصطلح الغريب المعروف فى دراسات القرآن والحديث فى خبر عن
ابن عباس رضى الله عنهما ؛ فيه وصف مجلس علم من مجالسه وفيه يقول ١ من
كان يريد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل » © ,
701/1 البيت فى ديوانه 19 وسيرة ابن دشام )١(
(1) مجمع الأثال 0/8
(©) توفى الحجاج سنة 16 ه وانظر ترجمته فى الوفيات 431/١ ودول الإسلام 95/١ وراجع
تصحيح التصحيف ١4 هامش 4
(4) البيان واتبيين 304/7 ومجمع الأمثال 730/7
(ه) النهاية 344/8 وغريب الحديث لابن الجوزى 144/7
(7) من خطباء الخوارج وشعرائهم وقوادهم + أورد له المبرد كثيرا من الأخبار وقتال الحجاج له
وانظر الزاثة 134/1١
(ا) هذه رواية الجاحظ فى البيان وبين 133/8 6 184 ورواها الشريف الرضى فى نهج
البلاغة 137 منسوبة لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه
بين 241/1 ونقل البغدادى أنه قعل سنة سبع وسيعين
3ه راجع البداية والنهاية 318/8 » وكذلك فى أحسن المحاسن 149 وفى ال
هان للزركثى /١
« إذا سألتمونى عن غريب اللغة فالتمسوه فى الشعر فإن الشعر ديوان العرب » وى -
وابن عباس رضى الله عنهما » توفى سنة ثمان وستين » على أرجح الأقوال 9 ) مما
يدل على أن هذا المصطلح كان معروفا فى صدر الإسلام .
والهدف من هذا الفصل هو دراسة هذا المفهوم الاصطلاحى للغرابة والغريب
فيما تيسر من مراجع علوم القرآن وعند المحدّئين » وخصوصاً مصتفى المصطلح +
وأصحاب معاجم غريب الحديث ؛ ومحاولة تحديد المعانى الأساسية التى يدور
حولها هذا المفهوم فى روايات اللغويين وما ذكروه فى معاجم اللغة © ثم يعرض
للمحة عنه فى ضوء بحوث الإعجاز والدراسات البلاغية والدلالية +
أولا : مفهوم الغريب وعلوم القرآن :
من المعلوم أن الدراسات العربية الإسلامية فى بداياتها الأولى كانت معيا
متواصلا إلى فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة على الوجه الذى حدده القرآثُ
نه ؛ كما لهم من تفسير قوله تعالى : م إن أرّدُ 0 عَرَيا للك
مقس » (" ؛ ٠ قوله تعالى : ( عرييا ) نعت للقرآن » والعربى المنسوب للعرب
على أسلوب العرب ... قوله ( لعلكم تعقلون ) علة لكونه عربيا » والمعنى لكى
وبديهى أن فهم القرآن ؛ على هذا الوجه لا يتأتى إلا بدراسة العربية بعد أن
أصبحت العربية تؤخذ بالتعلم ولم تعد سليقة وملكة كما كانت عند معظم
الصحابة ومن قبلهم » ولا يتأتى أخذها إلا بالدراسة والتلقى لنحوها وصرفها
ودلالالتها » أما معرفة أنه من عند الله تعالى فهى مطلب دارسى الإعجاز على
- الإنقان للسيوطى 158/1 « عن غريب القرآن
(1) انظر أسد الغابة ج2441 والبداية والنهاية 74/8
» وانظر فصول فى فقه العرية 11١
7 مورك وبق 0118
(©) حاشية الصاوى على الجلالين 147/9 وراجع تفسير التسقى 310/8
الواسعة للعربية
- تتطلب أن يكون من يريد أن يعرف الإعجاز القرآنى قد « تناهى فى معرفة
اللسان العربى » ووقف على طرقها ومذاهبها » فهو يعرف القدر الذى ينتهى إليه
وسع المتكلم فى الفصاحة ؛ ويعرف ما يخرج عن الواسع 6 9 .
امتداد التاريخ الإسلامى ؛ وهى معرفة تتطلب فوق الدراسة الدا
وقد أسهمت أحاديث الرسوا جه فى ترسيخ هذا المبدأً » الذى يقوم على المعرفة
وذكر الإمام السيوطى فى « الإتقان » أن « المراد بإعرابه : معانى ألفاظه +
وليس المراد به الإعراب المصطلح عليه عند النحاة !© . ويرى أستاذنا الدكتور
رمضان عبد التواب أن المقصود بعبارة « إعراب القرآن » فى مثل هذا الحديث « هو
الوضوح والبيان فى قراءة القرآن الكريم » 29 .
وفى رأبى أن معرفة المعانى مرتبطة بصحة القراءة ووضوح المعانى ؛ فقد قال
الإمام النووى فى وصف الطريقة المثلى لتلاوة أوراد القرآن : « والاختيار أن ذلك
يختلف باختلاف الأشخاص ؛ فمن كان يظهر له يدقيق الفكر لطائف ومعارف
فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه وكذا من كان مشغولا بنشر
العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر
145/1 إعجاز القرآن للباقلائى )1١(
(1) رواه الحافظ عبد الله بن أبى شيبة فى المصنف 457/٠١ الحديث رقم 443١ وأبو عبد الله
الحاكم فى المستدرك 434/9 ثم قال : « لم يخرجاه + وعلق الذهبى على كلام الحاكم بقوله « بل
أجمع على ضعفه . وانظر ذيل الصفحة فى المستدرك 434/8 . ورواه أبو سليمان الخطانى فى رسالته
١ بان إعجاز القرآن » وانظر ثلاث رسائل فى إعجاز القرآنذ 3١ وانظر البحر المحيط 18/١ . وخرجه
السيوطى فى جمع الجوامع ١١8/١ ولم يذكر أنه تعقب على الحاكم »
الجوامع أن ينبه على ما تعقب عليه » فرمما خالف الذهبى هاهنا . ورواه أيضا فى الإثقات 144/١
شرط فى مقدمة جمع
(4) فصول فى فقه العربية 78